مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ".
ولم يسجل أبدا ما إذا كان أزواج المدينة قد استغللن محمدا وخدعنه، وقد افتريت حادثة واحدة، ولما كانت عائشة هي موضوع الافتراء، فقد كان الشك يحتمل الوجهين، فقد كان في رأس هذه الفتاة من الأفكار أكثر مما في رأس ألف نابه، وكان لها قدرة الحصول على ما تبغي، فقد كانت متمتعة بكل ما يخلب الألباب، وكانت غانية أيضا، ففي زمن الحادث الذي نحن بصدده لم تكن تقدر زينب أو أم سلمة حق قدرهما، ولطبيعتها المستقلة وطفولتها كانت قادرة على إتيان أي شئ دون تحمل مسؤوليته وهاك ما حدث.
كان محمد يأخذ دائما معه زوجة أو زوجتين إذا ما قام برحلة أو خرج في إغارة، وكن يرحلن في هودج فوقه مظلة مشدودة على اطار من الأغصان، وكان الهودج يشد إلى سنام البعير، فكان النازل فيه يختفي عن الأنظار كلية، فكان من المحال معرفة ما إذا كان قي الهودج أحد أو كان فارغا، ما لم ترفع المظلة.
كان محمد قد أتم غزوته القصاصية الناجحة ضد قبيلة بني المصطلق، حيث تزوج من جويرية زوجه الثامنة، وكان في طريق عودته إلى المدينة بجنده وبعيره وغنائمه، وكانت المرحلة الأخيرة لبلوغ المدينة طويلة، فكان على المسلمين أن يحملوا خيامهم في الفجر، فلما استيقظت عائشة خرجت إلى الخلاء لبعض حاجتها، فلما عادت كانت خيمتها قد رفعت، وكان جملها منتظرا، فلما همت بدخول هودجها اكتشفت أن قلادتها قد انسلت من عنقها، فعادت أدراجها دون أن تخطر أحدا للبحث عنها، وكان من الصعب رؤية قلادة منسلة في عماية الصبح بين الحصى والأعشاب ولاح نور الصباح قبل أن تعثر عليها، ثم ثبتتها حول عنقها وعادت لتلحق بالقافلة، ولكن لم تجد هناك قافلة، وكانت نيران العسكر هي الدليل على أن أناسا كانوا هناك. لقد حسب المكلفون بنقل عائشة أن السيدة