ثالثا - كارل بروكلمن في كتابه تاريخ الشعوب الاسلامية قال: وأغلب الظن أن محمدا قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جدا. وهو أمر لم يكن مستغربا عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثنية عن إرواء ظمأهم الروحي. وتذهب الروايات إلى أنه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة إلى حد بعيد. ومع الأيام أخذ الايمان بالله يعمر قلبه ويملك عليه نفسه، فيتجلى له فراغ الآلهة الأخرى. ولكنه على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات الله ولقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله: " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضي ".
أما بعد ذلك حين قوي شعور النبي بالوحدانية فلم يعترف بغير الملائكة شفعاء عند الله، وجاءت السورة الثالثة والخمسون وفيها انكار لان تكون الألهة بنات الله. ولم يستطع التقليد المتأخر أن يعتبر ذلك التسليم إلا تحولا أغراه به الشيطان، ولذلك أرجئت حوادثه إلى أشد أوقات النبي ضيقا في مكة، ثم ما لبث أن أنكره وتبرأ منه في اليوم التالي (1).