لم يرى الله غيره في مضيق * بزعيم لها ولا بحقيق واليه أشار خير شفيق * فاستطالت أعناق كل فريق ليروا أي ماجد يعطاها فاغتدى كل مدير وهو مقبل * ولذاك الفوز العظيم يؤمل وعلى الوعد كم أتى من مؤمل * فدعى ابن وارث العلم والحلم مجير الأنام من بأساها أين من كف قادر صنعته * وعلى ذي علا رفعته أين من عين ربه قد رعته * أين ذو النجدة الذي أودعته في الثريا مروعة لباها وذلك في يوم خيبر بعدما انهزم من أصحابه ما انهزم. وقد ذكر جميع المؤرخين من العامة والخاصة، منهم: نور الدين محمد بن أحمد المالكي في كتاب (الفصول المهمة) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر خيبر بضعا وعشرين يوما فلم يتمكن من الفتح، وكان علي (ع) به رمد، ولما رأى عدم ثبات أصحابه في الحرب وقد أعطاهم الراية ثلاثة أيام متواليات كل يوم بيد أحد من أصحابه وهم انهزموا، فقال (ص): لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله: كرار غير فرار، فبات الناس يخوضون ليلتهم أيهم يعطاها، لان عليا (ع) أرمد.
فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (ص) وكا منهم يرجوا أن يعطاها، فخرج رسول الله ونادى أين علي بن أبي طالب؟ فقيل يا رسول الله إنه أرمد، قال (ص) أرسلوا إليه وائتوني به، فاتي بعلي (ص) فبصق في عينيه ودعا له فبرء حتى كأن لم يكن به وجع، كما قال حسان بن ثابت:
وكان علي أرمد العين ينتظر * دواء فلما لم يحس مداويا شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا والحاصل، فأعطى عليا (ع) رايته البيضاء، وقال: يا علي خذ الراية واعلم أنهم يجدون في كتبهم إن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا فإذا لقيتهم فقل: انا علي فإنه يخذلون فلما دنى من حصونهم خرج مرحب وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل حجر الرحى وجعله على رأسه وهو يرتجز ويقول: