بمنزلة الدرع الذي يلبسه الانسان ليقيه من كيد عدوه وهو الوفاء كما قال (ع): لا اعلم جنة أوفى منه، ومن علم إن مرجعه إلى الله وهو سريع الحساب لا يعدل عن الوفاء إلى ضده وهو الغدر والمكر ولكن أهل هذا الزمان عدلوا عن الوفاء إلى الغدر ويعدون الغدر من العقل، وحسن الحيلة، ويقول (ع) ما لهم قاتلهم الله يزعمون ذلك مع إن الحول القلب - أي البصير بتحويل الأمور وتقليب الدهور - قد يرى وجه الحيلة في بلوغ مراده لكنه لا يفعل خوفا من الله فيدع الحيلة وهو قادر عليها.
وأما من لم يتحرز من المعصية ولم يكن ثابتا في أمر دينه فهو يغتنم الفرصة لأعمال الغدر والحيلة، والحال إنه لا شئ أبغض إلى الله من الغدر والحيلة، ولذا قال النبي (ص) من بات وفي قلبه غش وغدر لأخيه المسلم بات في سخط الله وأصبح وهو في سخط الله دائما إلى أن يتوب من ذلك، بل ويظهر من كلام أمير المؤمنين إن الغدر أيا ما كان كفر بالله، حيث يبين حاله وحال معاوية وتفرق الناس عنه واجتماعهم على معاوية بقوله (ع): والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة - يعني لا يقدر أحد أن يغفلني بكيد وحيلة ويضعفني بقوة وشدة - ويحتمل أن تكون العباوة ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة - اي انا لا أغفل أحدا بالغدر والمكيدة ولا أضعف أحدا بقوة شديدة.
والحاصل: إنه لا يجوز الغدر من أحد بالنسبة إلى الاخر حتى مع الكفار إلا في موضع خاص استثني ذلك خرج بالنص وذلك في الجهاد مع الكفار فلا بأس بالغدر والحيلة لأجل الغلبة على العدو والخصم بل ويجوز المحاربة بكل فعل يؤدي إلى ضعفهم والظفر بهم كهدم الحصون وقطع الأشجار حيث يتوقف، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمثال ذلك في بعض الغزوات منها في الطائف وقد قطع أشجار الطائف وخرب ديار بني النضير واحرق عليهم وكذا يجوز إرسال الماء عليهم ومنعه عنهم والقاء السم إذا توقف الفتح للمسلمين على ذلك، وكذلك يجوز التبييت - يعني النزول عليهم غيلة في الليل - كما فعل أمير المؤمنين (ع) في ذات السلاسل، وهي من أعظم الغزوات التي غزاها أمير المؤمنين، وفي ذلك نزلت سورة (العاديات ضبحا).