لم يقم فيها من يماثله وقع الفساد، ومن اجل ذلك خلف عليا (ع) بها.
ولما علم المنافقون استخلافه له حسدوه وعلموا إن المدينة تحفظ به وينقطع طمع العدو وغبطوه على الدعة عند أهله فارجفوا به وقالوا به: لا يستخلفه اكراما واجلالا بل استقلالا به مع علمهم بأنه أحب الناس إليه وأسعدهم عنده، وأفضلهم لديه.
فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) ارجاف المنافقين به أراد تكذيبهم واظهار فضيحتهم فلحق بالنبي (ص) وقال: يا رسول الله، إن المنافقين يزعمون إنك إنما خلفتني استقلالا بي ومقتا لي فقال له النبي: ارجع يا أخي فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي، فانصرف علي (ع) إلى موضعه.
(في البحار) فجاء المنافقون ودبروا عليه إن يقتلوه وحفروا في طريقه حفيرة طويلة بقدر خمسين ذراعا ثم غطوها بحصر رقاق ونثروا فوقها تربا يسيرا بقدر ما غطوا وجوه الحصر، وكان ذلك على طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة وقد عمقوها وجمعوا حولها احجارا كثيرة، ودبروا على إنه إذا وقع مع دابته في تلك الحفيرة كبسوه بالحجارة حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي عليه السلام قرب ذلك المكان شال الفرس رأسه وتكلم وأخبر أمير المؤمنين (ع) بمكيدة المنافقين فقال علي (ع) جزاك الله خيرا وانا أيضا اعلم ذلك ولكن سر بإذن الله وانظر إلى قدرة الله فتبادرت الدابة وإذا بتلك الحفيرة صارت قاعا صلبا، وساوت الأرض حتى جازوها، وقال للفرس: جزاك الله بهذه السلامة عن تلك النصيحة التي نصحتني بها، وكان المنافقون بعضهم امامه وبعضهم من خلفه قال (ع) لهم اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا عنه فإذا حفيرة لا يسير عليها أحد إلا وقع فيها فاظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا، فقال (ع) للقوم أتدرون من عمل هذا قالوا لا ندري، قال (ع) لكن فرسي هذا تدري يا أيها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا فقال الفرس يا أمير المؤمنين دبر هذا فلان وفلان إلى إن ذكر العشرة بمواطاة عن أربعة وعشرين هم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم في تدبير كيد ومكر ليقتلوا رسول الله (ص) على العقبة (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) والله عز وجل من وراء حياطة رسول الله وولي الله لا يغلبه الكافرون.