نكفيك فقال: والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة.
فلما أكثر القتل فيهم نادى (ع) ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل فرشق بالسهام حتى لم يبق فيه موضع إلا اصابه النبل ثم صرخ (ع) بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل لعنه الله فإنه شيطان وإلا فنيت العرب ولا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوى هذا البعير إلى الأرض فعقروا الجمل بإحدى قوائمه فحملوه بأكتافهم ثم عقروه بأخرى فحملوه أيضا بأكتافهم فضرب عجز الجمل بالسيف فصرع، وضرب بجرانه الأرض، وعج عجيجا لم يشمع بأشد منه ففرت الرجال كما يطير الجراد المنتشر في الريح الشديدة الهبوب واحتملت عائشة بهودجها إلى دار عبد الله بن مخلف، وأمر (ع) بالجمل أن يحرق ويذرى في الهواء، وقال (ع): لعنه الله من دابة فما أشبه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ (ع) (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا).
وكان ذلك في اليوم النصف من جمادى الأولى فأرسلت عائشة إلى أمير المؤمنين (ع) وقالت: يا أبا الحسن فإذا ملكت فاصفح فقال (ع): نعم اصفح واعفوا، ثم أمر (ع) إن يجهزوا لها في رجوعها.
(في شرح القصيدة) لما سقط الجمل والهودج جاء محمد بن أبي بكر فادخل يده إليها فاحتضنها فقالت: من أنت؟ قال: أقرب الناس منك انا محمد يقول لك أمير المؤمنين (ع): هل أصابك شئ؟ قالت: ما أصابني إلا سهم لم يضرني فجاء علي (ع) فوقف عليها، فكان من كلامه لها: والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا حلائلهم وأبرزوك، وأمر أخاها محمدا أن ينزلها في دار صفية بنت الحارث.
ولما خرجت من البصرة بعث معها علي (ع) بأخيها عبد الرحمن وثلاثين رجلا وعشرين امرأة من ذوات الدين ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لهن: لا تعلمن عائشة إنكن نسوة، وقال (ع) لهن: كن اللاتي يلين خدمتها فلما أتت المدينة قيل لها كيف مسيرك؟ فقالت: كنت بخير والله لقد اعطى واجزل وبعث معي رجالا لا أنكرتهم. فعرفها النسوة أمرهن فسجدت لله شكرا وقالت: ما زدت بن أبي طالب إلا تكرما، ما وددت أن اخرج هذا المخرج، وإنما قيل لي تخرجين وتصلحين بين الناس وكان ما كان.
ولما فتح البصرة أمير المؤمنين (ع) ودخل بيت المال ورأي كثرة ما فيه من