انهزم المسلمون ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت: أدرك ثاري اليوم من محمد فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن يخذله ثم جئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب فقلت: ابن عمه ولن يخذله ثم جئت من خلفه فلم يبق إلا أسوره سورة بالسيف، وإذا بشواظ من نار بيني وبينه كأنه برق، فخفت أن يحرقني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، والتفت رسول الله (ص) إلي وقال: يا شيبة ادن مني اللهم اذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت بصري، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، وقال: يا شيبة قاتل الكفار.
وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعو ويقول:
اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم إن يظهروا علينا، ونادى أصحابه وزجرهم وقال: يا أصحاب البيعة يوم الحديبية: الله الله الكرة الكرة على نبيكم، يا أنصار الله وأنصار رسوله، وأمر العباس بن عبد المطلب فنادى في القوم بذلك فاقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرون أجابوه لما ناداهم، ولكن سيدنا الحسين (ع) كلما وقف ونادى يا ابطال الصفا ويا فرسان الهيجا مالي أناديكم فلا تجيبوني وادعوكم لا تسمعوني ما اجابه أحد، الخ.
ثم نزل رسول الله (ص) عن البغلة وقبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم وقال: شاهت الوجوه فما بقي أحد منهم إلا ملا الله عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين واتبعهم المسلمون فقتلوهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وأموالهم، وفر مالك ابن وهب حتى دخل حصن الطائف في ناس من اشراف قومه واسلم كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله واعزازه دينه.
وروي عن معاوية بن أبي سفيان إنه قال: لقيت أبي منهزما مع بني أمية من أهل مكة فصحت به يا بن حرب والله ما صبرت مع ابن عمك ولا قاتلت عن دينك ولا كففت هؤلاء الاعراب عن حريمك، فقال: من أنت؟ قلت معاوية قال: ابن هند؟ قلت نعم قال: بأبي وأمي ثم وقف واجتمع معه الناس من أهل مكة وانضممت إليهم ثم حملنا على القوم فضعضعناهم، وما زال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار فأمر رسول الله (ص) بالكف ونادى أن لا يقتل أسير من القوم