واحد منها شئ ولا زاد عما كان.
ثم سار إلى المدينة فنزل يوما على واد كان يعرف فيه الماء فيما تقدم فوجدوه يابسا لا ماء فيه، فقالوا: ليس في الوادي ماء يا رسول الله فأخذ سهما من كنانته فقال للرجل خذ فانصبه في اعلا الوادي فنصب فتفجرت من حول السهم اثنتا عشرة عينا تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله وارتووا وملأوا القرب.
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك تخلف عنه قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق! منهم: كعب بن مالك الشاعر، قال كعب:
ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج به رسول الله (ص) إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم فكنت أقول اخرج غدا أو اخرج بعد غد فما زلت أقول ذلك وتوانيت وبقيت وكنت ادخل السوق فلا تقضي لي حاجة فلقيت هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقا إنه لم تقض لنا حاجة إذا دخلنا السوق فما زلنا كذلك حتى بلغنا اقبال رسول الله (ص) فندمنا. فلما وافى رسول الله استقبلناه فهنيناه بالسلامة وسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام وأعرضنا عنا بوجهه، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام، فبلغ ذلك أهلينا فقطعوا كلامنا، وكنا نحضر المسجد فلم يسلم علينا أحد ولا يكلمنا، فجئن نساؤنا إلى رسول الله (ص) فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفتعزلهم؟ فقال رسول الله:
لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وأصحابه ما قد حل بهم قال:
ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله ولا إخواننا، ولا يكلمنا المسلمون ولا أهلونا فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى جبل بالمدينة فكانوا يصومون بالنهار ويقومون بالليل، وكان أهلوهم يأتوهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله أن يغفر لهم، فلما طال عليهم الامر قيل: مكثوا خمسين يوما قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط الله علينا، ورسوله قد سخط علينا، وإخواننا قد سخطوا علينا، وأهلونا قد سخطوا علينا، فلا يكلمنا أحد فلم يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم