أبا بكر عجبته الكثرة وقال: لن نغلب اليوم.
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغداة انحدر في (وادي حنين) وهو واد له انحدار بعيد، وكانت بنو سليم على مقدمة المسلمين فخرجت عليهم كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقي أمير المؤمنين (ع) يقاتلهم في نفر قليل، ومر المنهزمون برسول الله (ص) لا يلوون على شئ، وكان العباس آخذا بلجام بغلة رسول الله (ص) عن يمينه، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب عن يساره فأقبل رسول الله ينادي: يا معشر الأنصار إلى أين إلي إلي فانا رسول الله فلم يلو أحد عليه، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه المنهزمين التراب وتقول: إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله، ومر بها عمر فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله! فانهزموا بحيث لم يبق منهم مع النبي (ص) إلا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصة، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن فقتل أيمن رحمة الله عليه وثبتت التسعة الهاشميون وهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل ابن عباس، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ونوفل بن الحرث، وربيعة ابن الحرث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب أبناء أبي لهب وأمير المؤمنين (ع) بين يديه يضرب بالسيف، فلما رأى رسول الله (ص) الهزيمة اركض نحو على بغلته شاهرا سيفه فقال (ص): يا عباس اصعد هذا الجبل وناد يا أصحاب سورة البقرة ويا أصحاب بيعة الشجرة إلى أين تفرون، وكان العباس رجلا جهوريا صيتا، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تفرون، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله (ص)، والقوم على وجوههم قد ولوا مدبرين، وكانت ليلة ظلماء ورسول الله (ص) في الوادي والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي وجنباته ومضايقه مصلتين سيوفهم وعمدهم وقسيهم قال: فنظر رسول الله (ص) إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر في ليلة البدر، ثم نادى المسلمين أين ما عاهدتم عليه؟ فأسمع أولهم وآخرهم، فلم يسمعها رجلا إلا رمى بنفسه إلى الأرض، فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا بالعدو، وكان رسول الله (ص) رفع يده إلى السماء وقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان، اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وان شئت إن لا تعبد