ثم في الآية حث عظيم على تعمير المساجد، وتعظيم شأنه، وقيل: المراد بالتعمير بناؤها وإصلاح ما يستهدم منها، وتزيينها وفرشها، وإزالة ما يكره النفس منه مثل كنسها والاسراج فيها، وقيل: المراد شغلها بالعبادة مثل الصلاة والذكر، وتلاوة القرآن ودرس العلوم الدينية وتجنبها من أعمال الدنيا، واللهو واللعب، وعمل الصنايع، وحديث الدنيا ولعل التعميم أولى.
(أجعلتم سقاية الحاج) قد مضى تفسيرها ونزولها في مفاخرة أمير المؤمنين عليه السلام بسبق الايمان، والعباس بالسقاية وشيبة بالحجابة، وفضل الايمان على تلك الأمور ظاهر لا سيما إذا لم تكن مع الايمان، فإنها باطلة محبطة كما مر.
(فلا يقربوا المسجد الحرام) (1) استدل به على عدم جواز إدخال النجاسة المسجد الحرام، وهو غير بعيد للتفريع، وإن أمكن المناقشة فيه، وأما الاستدلال به على عدم جواز دخولهم شيئا من المساجد فهو ضعيف (2).
(والذين اتخذوا مسجدا) (3) في المجمع (4) والجوامع روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قبا وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتجهز إلى تبوك: إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: إني على جناح سفر، ولما انصرف من تبوك نزلت، فأرسل من هدم المسجد و أحرقه وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة.
(ضرارا) مضارة للمؤمنين أصحاب مسجد قبا (وكفرا) وتقوية للكفر الذي كانوا يضمرون (وإرصادا) أي وإعدادا أو ترقبا لمن حارب الله ورسوله من قبل، يعني أبا عامر الراهب، قيل بنوه على أن يؤمهم فيه أبو عامر إذا قدم من الشام، في الجوامع