غسلا يسيرا مشابها للمسح؟ وهل هذا إلا مثل أن يقول القائل: أكرمت زيدا وعمروا وأهنت خالدا وبكرا، فهل يفهم أهل اللسان من كلامه هذا إلا أنه أكرم الأولين وأهان الآخرين؟ ولو قال لهم: إني لم أقصد من عطف بكر على خالد أني أهنته، وإنما قصدت أني أكرمته إكراما حقيرا قريبا من الإهانة، لأكثروا ملامه، وزيفوا كلامه، وحكموا بأنه خارج عن أسلوب كلام الفصحاء.
وأما التأييد الذي ذكره فهو أعجب وأغرب، لأنه إن أراد أن مطلق المسح لم تضرب له غاية في الشريعة، ولم ترد به الآية الكريمة، فهو عين المتنازع بين فرق الاسلام، وإن أراد أن مسح الرأس لم تضرب له غاية فأين القرينة حينئذ على أن الأرجل مغسولة.
وأعجب من ذلك أنه لشدة اضطرابه قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما إلا أسطر قلائل، حيث قال عند قوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم " فان قلت:
هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم: لهؤلاء على وجه الوجوب. و لهؤلاء على وجه الندب؟ قلت: لا، لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الالغاز والتعمية، ثم إنه حمل قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم " على ما هو أشد إلغازا وأكثر تعمية من أكثر الإلغاز والمعميات، وجوز تناول الكلمة لمعنيين مختلفين، إذ المسح من حيث وروده [على الرؤس يراد به المسح الحقيقي ومن حيث وروده] (1) على الأرجل يراد به الغسل القريب من المسح، وما حمله على هذا التعسف مع غاية فضله إلا التعصب، أعاذنا الله منه.
فائدة قيل: إن الظاهر من الآية الكريمة وجوب الوضوء على كل من قام إلى الصلاة (2) حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة إذا على العموم عرفا، مع أن حمله ههنا على الاهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة المعتد بها، وهو لا يناسب كلام