المراد بالطهارة المسندة إلى الماء معناها اللغوي، لأن الماء يفيد الجص نوع نظافة توجب إزالة النفرة الحاصلة من اشتماله على العذرة والعظام المحرقة، وهذا غير مناف لإرادة المعنى الشرعي في تطهير النار، إذ لا مانع من الجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا دلت القرينة عليه، ويحتمل أن يراد فيهما المعنى المجازي وتكون الطهارة الشرعية مستفادة مما علم من الجواب ضمنا.
وقال الشيخ البهائي - رحمه الله -: يمكن أن يراد بالماء في كلامه عليه السلام ماء المطر الذي يصيب أرض المسجد المجصصة بذلك الجص، إذ ليس في الحديث أن ذلك المسجد كان مسقفا وأن المراد يوقد عليه بحيث تختلط به تلك الأعيان كأن يوقد بها من فوقه مثلا لكن يبقى إشكال آخر، وهو أن النار إذا طهرته أولا فكيف يحكم بتطهير الماء له ثانيا.
ثم أجاب بأن غرض الإمام عليه السلام أنه ورد على ذلك الجص أمران مطهران هما الماء والنار، فلم يبق ريب في طهارته، ولا يلزم من ورود المطهر الثاني التأثير في التطهير انتهى.
ثم اعلم أن مورد الحديث وكلام كثير من الأصحاب استحالة عين النجاسة وعمم بعضهم الحكم بحيث يتناول المتنجس أيضا، تعويلا على القياس بالطريق الأولى، وفيه نظر.
الثاني: الدخان المستحيل من الأعيان النجسة والمشهور الطهارة، ويعزى إلى بعضهم نقل الاجماع عليه، وتردد في طهارته المحقق في الشرايع، وينسب إلى الشيخ في المبسوط القول بنجاسة دخان الدهن النجس معللا بأنه لا بد من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة النار لها بواسطة السخونة، وفي التعليل تأمل.
وقال العلامة في النهاية بعد الحكم بطهارة الدخان مطلقا للاستحالة كالرماد:
إنه لو استصحب شيئا من أجزاء النجاسة باعتبار الحرارة المقتضية للصعود، فهو نجس ولهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الضلال، وفيه أيضا نظر كما عرفت.