بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٧ - الصفحة ١٤٥
الأخيار، فلعل الوهم في النسخة التي وقع فيها لفظ الماضي، فان حصول الاشتباه في مثله وقت الكتابة ليس بمستبعد (1).
(1) أقول: ولكن حق الكلام في غسالة الوضوءوالغسل - بالضم - أعني ما ينفصل عن الأعضاء حين غسلها - بالفتح - أنه لا يجوز استعمالها ثانيا، لا في الوضوء ولا في الغسل الا غسالة الوضوء في رفع الحدث الأكبر عند الاضطرار، والدليل على هذا حكم العقل المتفرع على حكم الشرع جزما.
توضيحه أن الله عز وجل قال في الوضوء " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " الآية، ولا يصدق الغسل لغة وعرفا - كما يؤيده الاخبار - الا بارسال الماء على العضو المغسول والدلك باليد ليزول ما على العضو المغسول من القذر والوسخ أو أي شئ رأى الشارع وجوده مانعا فأوجب ازالته بالماء فلأجل اعتبار الدلك عرفا ولغة لا يجوزالوضوء ارتماسا، ولأجل ايجاب الإزالة بانفصال الغسالة لا يجوز استعمالها مرة ثانية، فإنه عبارة أخرى عن التلطخ وتلوث الوجه واليدين بما وجب ازالته قبلا، وإعادة اللوث القذر الذي كان مانعا من دخول الصلاة معه ثانيا، وهل هذا الا نقض الوضوء؟.
وهكذا الكلام في غسالة الحدث الأكبر - الجنابةوالحيض - بل الخطب فيهما أكثر وأكثر حيث يقول الله عز وجل في الجنابة: " وإن كنتم جنبا فاطهروا " فعبر عن الغسل بالتطهير المؤذن بنوع نجاسة في بدن الجنب، وقال عز وجل في الحائض " حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله " فجعل الغسل بعد الطهارة عن الدم تطهيرا لبدن الحائض، والتطهير إنما يؤذن عن وجود قذارة ولو لم نشاهدها.
فكيف يعقل ويتصور أن يكون العبد ممتثلا لقوله تعالى " فاطهروا " وهو يعيد القذارة التي كانت على بدنه في المرة الأولى أو بدن رجل آخر سابقا، بل هو لعب بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، حيث زاد اللوث على اللوث وجعل فعله ذلك دينا وامتثالا لامره تعالى بالتطهير والتطهر.
نعم - إذا لم يجد ماء غير غسالة الوضوء، وكان جنبا أو حائضا جاز استعمالها في رفعهما، فإنه رفع للقذارة في الجملة بقدر الامكان.
ومن ذلك - أعنى حكم الفطرة - ايجاب الأئمة الأطهار في فتاواهم القدسية أن يغسل المتطهر يديه قبل الوضوءوالغسل، فان اليدين محكومتان بوجوب الغسل - بالفتح - في ضمن الوضوءوالغسل، واليدان وسيلتان لامتثال الامر، فان اغتراف الماء وارساله إلى العضو المغسول ودلكه حتى يزيل القذر المانع ويحصل استباحة الدخول في الصلاة لا يكون الا باليدين - خصوصا في الوضوء.
فإذا لم يغسل المكلف يديه قبلا كان غسل وجهه باليدين أو باليد اليمنى مثلا لوثا للوجه بقذارة اليدين، ولوثا لليد اليمنى بقذارة اليسرى وبالعكس، ومن اغترف لغسل الجنابة باليدين ويداه غير مغسولتان بعد، فقد صب على رأسه وبدنه ماء قد تلوث بما أوجب الشارع ازالته بالماء، لكن إذا لم يقدر على كأس يغترف به ويغسل يديه أولا، فلا بأس، فان الدين ليس بمضيق كما هو مفاد الاخبار، فان غسله هذا وإن كان غير كامل، لكنه رفع للقذارة في الجملة.
ولا يذهب عليك أن هذا في الغسلوالوضوء بالماء القليل، وأما إذا كان الماء كثيرا جاريا سائلا من فوق وأراد الوضوءوالغسل فله وجه آخر، سنتكلم عليه انشاء الله تعالى في موضعه.