البعد، ولهذا أعرض عنه المحققون من المفسرين إذ لم يجر للخفين ذكر، ولا دلت عليهما قرينة، وليس الغالب بين العرب لبسهما، وسيما أهل مكة والمدينة زادهما الله شرفا، فكيف يقتصر سبحانه في ابتداء كيفية الوضوء على تعليم كيفية وضوء لابس الخفين فقط، ويترك وضوء من سواه، وهو الغالب الأهم.
وأما الحمل على جر الجوار، فأول ما فيه أن جر الجوار ضعيف جدا حتى أن أكثر أهل العربية أنكروه، ولم يعولوا عليه، ولهذا لم يذكره صاحب الكشاف في توجيه قراءة الجر وتمحل لها وجها آخر.
وأيضا فان المجوزين له إنما جوزوه بشرطين: الأول عدم تأديته إلى الالتباس على السامع، كما في المثال المشهور إذ الخرب إنما يوصف به الجحر لا الضب، والثاني أن لا يكون معه حرف العطف، والشرطان مفقودان في الآية الكريمة، أما الأول فلأن تجويز جر الجوار هنا يؤدي إلى التباس حكم الأرجل لتكافؤ احتمالي جرها بالجوار المقتضي لغسلها، وبالعطف على الأقرب المقتضي لمسحها.
فان قلت: إنما يجئ اللبس لو لم تكن في الآية قرينة على أنها مغسولة لكن تحديدها بالغاية قرينة على غسلها، إذ المناسب عطف ذي الغاية على ذي الغاية لا على عديمها، وتناسب المتعاطفين أمر مرغوب فيه في فن البلاغة.
قلت: هذه القرينة معارضة بقرينة أخرى، دالة على كونها ممسوحة، و هي المحافظة على تناسب الجملتين المتعاطفتين فإنه سبحانه لما عطف في الجملة الأولى ذا الغاية على غير ذي الغاية، ناسب أن يكون العطف في الجملة الثانية أيضا على هذه الوتيرة، وعند تعارض القرينتين يبقى اللبس بحاله.
وأما الشرط الثاني فأمره ظاهر.
فان قلت: قد جاء الجر بالجوار في قوله تعالى " وحور عين " (1) في