صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء، وهو متفرق فكيف يصنع؟ وهو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه؟ فقال: إذا كانت يده نظيفة إلى آخر ما مر أقول: هذا الحديث من متشابهات الأخبار، ومعضلات الآثار، وهو يتضمن أسؤلة أربعة: الأول الخوف من أن تكون السباع شربت منه، الثاني أنه لا يبلغ مدا للوضوء، وصاعا للغسل، وتفوت سنة الاسباغ، الثالث أنه يخاف أن ترجع الغسالة إلى الماء في أثناء الغسل فيفسد بقية الغسل صحة أو كمالا، الرابع أنه متفرق ولا يكفي كل واحد منها لغسله.
فظهر الجواب عن الأول ضمنا بعدم البأس وعن الثاني أيضا بعدم البأس للضرورة، وعن الرابع بأنه إن أمكن جمعها جمعها وإلا غسل رأسه مثلا من موضع، ويمينه من موضع، ويساره من موضع، ولا بأس بهذه الفاصلة.
وأما الجواب عن الثالث فيمكن أن يوجه بوجوه: الأول أن يكون المراد رش الأرض التي يغتسل عليها، ليكون تشر بها للماء أسرع، فينفذ الماء المنفصل عن أعضائه في أعماقها قبل وصوله إلى الماء الذي يغترف منه.
وأورد عليه بأن رش الأرض بالماء قبل الغسل يوجب سرعة جريان غسالته عليها لقلة تشربها حينئذ للغسالة. فيحصل نقيض ما هو المطلوب.
وأجيب بأن التجربة شاهدة بأنك إذا رششت أرضا منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء، فإنك تجد كل قطرة تلبس غلافا ترابيا وتتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدة امتدادا يسيرا قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوص فيها، بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة، فان تلك القطرات تغوص في أعماقها ولا تتحرك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة، فظهر أن الرش محصل للمطلوب لا مناقض له.
الثاني أن المراد ترطيب الجسد وبل جوانبه بالأكف الأربع قبل الغسل ليجري ماء الغسل عليه بسرعة، ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى ذلك الماء.
واعترض عليه بأن سرعة جريان ماء الغسل على البدن، مقتض لسرعة