بألسنتكم دون قلوبكم. فلكم أن تخبروا عن أنفسكم وأما الاسلام الحقيقي فلم يثبت لكم عند الله تعالى كالايمان، فلذا لم يخبر عنكم به، وقد يظهر من ذلك الجواب عن الثاني أيضا.
إن قلت: إن الاسلام من الحقائق الاعتبارية للشارع، كالايمان، فلا يعلم إلا منه، وحيث أذن لهم في أن يخبروا عن أنفسهم بأنهم أسلموا مع أن الايمان لم يكن دخل قلوبهم كما دل عليه آخر الآية، تدل على أنه لم يكن له حقيقة وراء ذلك عند الشارع، وإلا لما جوز لهم ذلك الاخبار، واحتمال المجاز يدفعه أن الأصل في الاطلاق الحقيقة، ولزوم الاشتراك على تقدير الحقيقة، يدفعه أنه متواطئ أو مشكك، حيث بينا أن مفهومه هو الانقياد والاذعان بالشهادتين، سواء اقترن بالمعارف أم لا، فيكون إسلام الاعراب فردا منه.
قلت: لا ريب أنه لو علم عدم تصديق من أقر بالشهادتين لم يعتبر ذلك الاقرار شرعا ولم نحكم باسلام فاعله، لأنه حينئذ يكون مستهزئا أو مشككا، وإنما حكم الشارع باسلامه ظاهرا في صورة عدم علمنا بموافقة قلبه للسانه، بالنسبة إلينا تسهيلا ودفعا للحرج عنا، حيث لا يعلم السرائر إلا هو، وأما عنده تعالى فالمسلم من طابق قلبه لسانه كما قال تعالى " إن الدين عند الله الاسلام " (1) مع أن الدين لا يكون إلا مع الاخلاص لقوله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " (2) إلى قوله تعالى " وذلك دين القيمة ".
فالاسلام لا يكون إلا مع الاخلاص أيضا بقرينة أنه ذكر الاسلام معرفا و ذلك يفيد حصر الاسلام في الدين المخلص، فكأن المعنى والله أعلم: لا إسلام إلا ما هو دين عند الله تعالى كما يقال زيد العالم أي لا غيره، والفرق ظاهر بين أن يقال الدين المخلص إسلام، أو هو الاسلام كما قررناه، فعلم أن الاسلام اللساني ليس داخلا في حقيقة الاسلام عند الله، والكلام إنما هو فيما يعد إسلاما وإيمانا عند الشارع لا عندنا، بحيث لا يجتمع مع ضده الذي هو الكفر في موضع واحد