يختارون الغربة لطلب العلم " إن شهدوا لم يعرفوا " لعدم شهرتهم، وخمول ذكرهم بين الناس، وقيل لاختيارهم الغربة لطلب العلم " وإن غابوا لم يفتقدوا " أي لم يطلبوا لاستنكاف الناس عن صحبتهم، وعدم اعتنائهم بشأنهم، وقيل لغربتهم بينهم كما مر وفي القاموس افتقده وتفقده طلبه عند غيبته، ومات غير فقيد ولا حميد وغير مفقود غير مكترث لفقدانه.
" ومن الموت لا يجزعون " لان أولياء الله يحبون الموت ويتمنونه، وقيل:
" من " للتعليل والظرف متعلق بالنفي لا بالمنفي والتقديم للحصر أي عدم جزعهم من أحوال الدنيا وأهلها وما يصيبه منهم من المكاره إنما هو لعلمهم بالموت والانتقام منهم بعده، ولا يخفى بعده.
" وفي القبور يتزاورون " أي أنهم لشدة التقية وتفرقهم قلما يمكنهم زيارة بعضهم لبعض، وإنما يتزاورون في عالم البرزخ لحسن حالهم ورفاهيتهم، أو أنهم مختفون من الناس لا يزارون إلا بعد الموت، أو مساكنهم المقابر والمواضع الخربة في تلك المواطن يلقي بعضهم بعضا وقيل: أي يزور أحياؤهم أمواتهم في المقابر وقيل القبور: عبارة عن مواضع قوم ماتت قلوبهم لترك ذكر الله كما قال تعالى: " وما أنت بمسمع من في القبور " (1) أي لا تمكنهم الزيارة في موضع تكون فيه جماعة من الضلال والجهال الذين هم بمنزلة الأموات والأول أظهر.
" لن تختلف قلوبهم وإن اختلفت بهم الدار " أي هم على مذهب واحد و طريقة واحدة، وإن تباعد بعضهم بعضها في الديار، فإنهم تابعون لائمة الحق ولا اختلاف عندهم، وقيل: أي قلب كل واحد منهم غير مختلف ولا متغير من حال إلى حال، وإن اختلفت دياره ومنازله، لأنسه بالله، وعدم تعلقه بغيره، فلا يستوحش بالوحدة والغربة، واختلاف الديار، لان مقصوده وأنيسه واحد حاضر معه في الديار كلها، بخلاف غيره لان قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به إذا وجده، و يستوحش إذا فقده. انتهى ولا يخفى بعده.