ومكرهن، ولا تنجو منه، فلم يلتفت ولم يعبأ بكلامها.
فلما كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليله من عبادة ربه، ثم رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فأتته وتحت رأسه مزادة فيها زاد فانتزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيس فيه خمسمائة دينار ثم عادت بها تحت رأسه، فلما ثور الوفد قامت الملعونة وقالت بالله وبالوفد يا وفد الله، امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتها ومالي إلا الله وأنتم، فحبس المتقدم الوفد وأمر رجلا من الأنصار، ورجلا من المهاجرين أن يفتشوا رحل المهاجرين والأنصار ففتش الفريقان فلم يجدوا شيئا ولم يبق من الوفد إلا من فتش رحله ولم يبق إلا المقدسي وأخبروا متقدم الوفد بذلك.
فقالت: يا قوم ما ضركم لو فتشتموه، فله أسوة بالمهاجرين والأنصار وما يدريكم أن يكون ظاهره مليح وباطنه قبيح، ولم تزل بهم الامرأة حتى حملتهم على تفتيش رحله فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلي، فلما رآهم أقبل عليهم وقال لهم: ما بالكم وما خبركم؟
قالوا: هذه الامرأة الأنصارية ذكرت انها قد سرق لها نفقة كانت معها وقد فتشنا رحال الوفد بأسرهم ونحن لا نتقدم إلى رحلك إلا بدليل لما سبق من وصية عمر بن الخطاب كما فيها يعود إليك.
فقال: يا قوم، ما يضرني ذلك فتشوا ما أحببتم وهو واثق من نفسه فأول ما نفضوا المزادة التي فيها زاده، فوقع منها الهميان.
فصاحت الملعونة: الله أكبر، هذا والله كيسي ومالي وهو كذا به دينار، وفيه عقد لؤلؤ وزنه كذا وكذا مثقال، فاختبروه فوجدوه كما قالت الملعونة، فمالوا عليه بالضرب الموجع والسب والشتم وهو لا يجيب جوابا فسلسلوه وقادوه راجلا إلى مكة.