صلى الله عليه وآله وهو حسن الشباب، مليح الصورة، فزار حجرة النبي صلى الله عليه وآله وقصد المسجد، ولم يزل ملازما له مشتغلا بالعبادة صائم النهار، قائم الليل، وذلك في زمن عمر بن الخطاب حتى كان أعبد الخلق والخلق يتمنون أن يكونوا مثله، وكان عمر يأتي إليه ويسأله حاجة فيقول المقدسي: الحاجة إلى الله تعالى، ولم يزل على ذلك حتى عزم الناس على الحج، فجاء المقدسي إلى عمر وقال له: يا أبا حفص، قال عزمت على الحج ومعي وديعة أحب أن تستودعها مني إلى حين عودي من الحج.
فقال له عمر: هات الوديعة، فاحضر حقا من عاج عليه قفل من حديد مختوم بختام الشام فتسلم وخرج الشاب مع الوفد، وخرج عمر إلى الوفد فقال له وصيتك هذا وجعل مودعه للشاب، وقال للمتقدم على الوفد: استوصي بهذا المقدسي وعليك به خيرا، فرجع عمر وكان في الوفد امرأة من الأنصار ما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل، فلما كان في بعض الأيام دنت منه و قالت: يا شاب إني لأرق والله لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف.
فقال لها: يا هذه جسم يأكله الدود، يضره التراب هذا له كثير.
فقالت: إني أغار على هذا الوجه المضئ كيف تشعثه الشمس.
فقال لها: يا هذه اتقي الله وكفي فقد أشغلني كلامك عن عبادة ربي.
فقالت له: لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام، وإن لم تقضها فما أنا بتاركك حتى تقضيها لي.
فقال لها: وما حاجتك؟
فقالت: حاجتي أن تواقعني.
فزجرها وخوفها من الله تعالى فلم يردها ذلك؟
وقالت: والله لان لم تفعل ما أمرتك به لأرمينك بداهية من دواهي النساء