قالوا: قبض، فقالت: أله بنية تقصد؟
فقالوا: نعم، وهذه حجرته التي فيها قبره، فدخلت عليه، فنادت: السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك تسمع كلامي، وتقدر على جوابي، وتعلم أنا سبينا بعدك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وجلست، فوثب طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام، فطرحا ثوبيهما عليها.
فقالت: مالكم معاشر العرب تصونون حلائلكم، وتهتكون حلائل الغير؟!
فقالا لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إننا نزكي ولا نصلي، أو نصلي ولا نزكي.
فقالت لهما: والله ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنا لنضرب صبياننا على الصلاة من التسع، وعلى الصيام من السبع، وإنا لنخرج الزكاة من حيث إن يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيام، ويوصي مريضنا بها لوصيه.
والله يا قوم، ما نكثنا ولا غيرنا ولا بدلنا حتى تقتلوا رجالنا، وتسبوا حريمنا، فإن كنت يا أبا بكر وليت بحق فما بال علي لم يكن سبقك علينا، وإن كان راضيا بولايتك فلم لا ترسله إلينا يقبض الزكاة منا ويسلمها إليك.
والله ما رضى ولا يرضى قتلت الرجال: ونهبت الأموال، وقطعت الأرحام، فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة، افعل ما أنت فاعله.
فضج الناس، وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما عليها: لتغالين في ثمنك.
فقالت: أقسمت بالله ربي، وبمحمد نبيي أن لا يملكني إلا من يخبرني بما رأت أمي في منامها وهي جاهلة حاملة بي، وما قالت لي عند الولادة، وما العلامة التي بيني وبينها، وإلا إن ملكني أحد منكم بقرت بطني بيدي فتذهب نفسي وماله، ويكون مطالبا بذلك في القيامة.