عن كذا، وكذا ويده لا تنبسط إلي كذا إذا أرادوا وصفه بالفقر والقصور ويشهد بذلك قوله تعالى في موضع آخر (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) ثم قال تعالى مكذبا لهم (بل يداه مبسوطتان) أي انه لا يعجزه شئ وثنى اليدين تأكيدا للأمر، وتفحيما له ولان ذلك أبلغ في المعني المقصود من أن يقول بل يده مبسوطة. وقد قيل أيضا إن اليهود وصفوا الله تعالى بالبخل واستبطئوا فضله ورزقه وقيل إنهم قالوا على سبيل الاستهزاء ان إله محمد الذي أرسله، يداه إلى عنقه إذ ليس يوسع عليه وعلى أصحابه فرد الله قولهم وكذبهم بقوله: (بل يداه مبسوطتان) واليد ههنا الفضل والنعمة وذلك معروف في اللغة متظاهر في كلام العرب وأشعارهم ويشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) ولا معنى لذلك إلا الأمر بترك إمساك اليد عن النفقة في الحقوق وترك الاسراف إلى القصد والتوسط ويمكن أن يكون الوجه في تثنية النعمة من حيث أريد بها نعم الدنيا ونعم الآخرة لان الكل وإن كانت نعما لله فمن حيث اختص كل واحد من الأمرين بصفة تخالف صفة الآخر صارا كأنهما جنسان وقبيلان ويمكن أيضا أن يكون تثنية النعمة أنه أريد بها النعم الظاهرة والباطنة. فأما قوله تعالى (غلت أيديهم) ففيه وجوه. أولها أن لا يكون ذلك على سبيل الدعاء بل على وجه الاخبار منه عز وجل عن نزول ذلك بهم، وفي الكلام ضمير وقد قيل قوله (غلت أيديهم) وموضع غلت نصب على الحال كأنه تعالى قال وقالت اليهود كذا وكذا في حال ما غل الله تعالى أيديهم ولعنهم أو حكم بذلك فيهم ويسوغ إضمار قد ههنا كما ساغ في قوله عز وجل (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت) والمعني وقد صدقت وقد كذبت. وثانيها أن يكون معنى الكلام وقالت اليهود يد الله مغلولة فغلت أيديهم أو وغلت أيديهم فأضمر تعالى الفاء والواو لان كلامهم ثم واستؤلف بعده كلام آخر ومن عادة العرب أن تحذف فيما يجري مجرى هذا الموضع من ذلك قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا) أراد فقالوا أتتخذنا هزوا، فأضمر تعالى الفاء لتمام كلام موسى عليه الصلاة والسلام
(٩٢)