ما يجازى به العبد هو كفؤ لفعله وبمقداره فهو حساب له إذا كان مماثلا مكافئا.. ومما يشهد بان في الحساب معنى المكافأة قوله تعالى (جزاء من ربك عطاء حسابا) أي عطاء كافيا ويقال أحسبني الطعام يحسبني إحسابا إذا كفاني.. قال الشاعر وإذ لا ترى في الناس حسنا يفوتها * وفي الناس حسنا لو تأملت محسب معناه كاف.. وثانيها أن يكون المراد أنه عز وجل يحاسب الخلق جمعيا في أوقات يسيرة ويقال ان مقدار ذلك حلب شاة لأنه تعالى لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة غيره بل يكلمهم جميعا ويحاسب كلهم على أعمالهم في وقت واحد وهذا أحد ما يدل على أنه تعالى ليس بجسم وانه لا يحتاج في فعل الكلام إلى آلة لأنه لو كان بهذه الصفات تعالى عنها لما جاز أن يخاطب اثنين في وقت واحد بمخاطبتين مختلفتين ولكان خطاب بعض الناس يشغله عن خطاب غيره ولكانت مدة محاسبته للخلق على أعمالهم طويلة غير قصيرة كما أن جميع ذلك واجب في المحدثين الذين يفتقرون في الكلام إلى الآلات.. وثالثها ما ذكره بعضهم من أن المراد بالآية انه سريع العلم بكل محسوب وانه لما كانت عادة بني الدنيا أن يستعملوا الحساب والاحصاء في أكثر أمورهم أعلمهم الله تعالى انه يعلم ما يحسبون بغير حساب وإنما سمى العلم حسابا لأن الحساب إنما يراد به العلم وهذا جواب ضعيف لأن العلم بالحساب أو المحسوب لا يسمى حسابا ولو سمى بذلك لما جاز أيضا أن يقال إنه سريع العلم بكذا لأن علمه بالأشياء مما لا يتجدد فيوصف بالسرعة .. ورابعها ان الله تعالى سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم وذلك أنه يسأل في وقت واحد سؤالات مختلفة من أمور الدنيا والآخرة فيجزى كل عبد بمقدار استحقاقه ومصلحته فيوصل إليه عند دعائه ومسئلته ما يستوجبه بحد ومقدار فلو كان الأمر على ما يتعارفه الناس لطال العدد واتصل الحساب فأعلمنا تعالى انه سريع الحساب أي سريع القبول للدعاء بغير احساس وبحث عن المقدار الذي يستحقه الداعي كما يبحث المخلوقون للحساب والاحصاء وهذا جواب مبني أيضا على دعوى أن قبول الدعاء لا يسمى حسابا في لغة ولا عرف ولا شرع وقد كان يجب على من أجاب بهذا الجواب أن يستشهد على
(٥٤)