ذلك بما يكون حجة فيه وإلا فلا طائل فيما ذكره.. ويمكن في الآية وجه آخر وهو أن يكون المراد بالحساب محاسبة الخلق على أعمالهم يوم القيامة وموافقتهم عليها وتكون الفائدة في الاخبار بسرعته الاخبار عن قرب الساعة كما قال تعالى (سريع العقاب) وليس لأحد أن يقول فهذا هو الجواب الأول الذي حكيتموه وذلك أن بينهما فرقا لأن الأول مبنى على أن الحساب في الآية هو الجزاء والمكافأة على الأعمال وفي هذا الجواب لم يخرج الحساب عن بابه وعن معنى المحاسبة المعروفة والمقابلة بالأعمال وترجيحها وذلك غير الجزاء الذي يفضي الحساب إليه.. وقد طعن بعضهم في الجواب الثاني معترضا على أبي على الجبائي في اعتماده إياه بان قال مخرج الكلام في الآية على وجه الوعيد وليس في خفة الحساب وسرعة زمانه ما يقتضى زجرا ولا هو مما يتوعد بمثله فيجب أن يكون المراد الاخبار عن قرب أمر الآخرة والمجازاة على الأعمال.. وهذا الجواب ليس أبو علي المبتدي به بل قد حكي عن الحسن البصري واعتمده أيضا قطرب ابن المستنير النحوي وذكره المفضل بن سلمة وليس الطعن الذي حكيناه عن هذا الطاعن بمبطل له لأنه اعتمد على أن مخرج الآية مخرج الوعيد وليس كذلك لأنه قال تعالى (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) فالأشبه بالظاهر أن يكون الكلام وعدا بالثواب وراجعا إلى الذين يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أو يكون راجعا إلى الجميع فيكون المعنى ان للجميع نصيبا مما كسبوا فلا يكون وعيدا خالصا بل إما أن يكون وعدا خالصا أو وعدا ووعيدا على أنه لو كان وعيدا خالصا على ما ذكر الطاعن لكان لقوله تعالى (والله سريع الحساب) على تأويل من أراد قصر الزمان وسرعة الموافقة وجه وتعلق بالوعد والوعيد لأن الكلام على كل حال متضمن لوقوع المحاسبة على أعمال العباد والإحاطة بخيرها وشرها وان وصف الحساب مع ذلك بالسرعة وفي هذا ترغيب وترهيب لا محالة لأن من علم بأنه يحاسب بأعماله ويوقف على جميلها وقبيحها الزجر عن القبيح وعمل ورغب في فعل الواجب
(٥٥)