المعبودات الجامدة الهامدة التي لا تسمع ولا تبصر ويعبد آخرون البشر ويجعلونهم شركاء لله تعالى في استحقاق العبادة ويضيف كل هؤلاء أفعال الله عز وجل فيهم إلى غيره فإذا جاءت الآخرة وانكشف الغطاء واضطروا إلى المعارف زال ما كانوا عليه في الدنيا من الضلال واعتقاد الباطل وأيقن الكل انه لا خالق ولا رزاق ولا ضار ولا نافع غير الله فردوا إليه أمورهم وانقطعت آمالهم من غيره وعلموا ان الذي كانوا عليه من عبادة غيره وتأميله للضر والنفع غرور وزور فقال الله تعالى (والى الله ترجع الأمور) لهذا المعنى.. والوجه الثاني أن يكون معنى الآية في الأمور أن الأمور كلها لله تعالى وفي يده وقبضته من غير خروج ورجوع حقيقي وقد تقول العرب قد رجع على من فلان مكروه بمعنى صار إلى منه ولم يكن سبق إلي قبل هذا الوقت وكذلك يقولون قد عاد على من زيد كذا وكذا وان وقع منه على سبيل الابتداء.. قال الشاعر وإن تكن الأيام أحسن مرة * إلي فقد عادت لهن ذنوب أي صارت لها ذنوب لم تكن من قبل بل كان قبلها إحسان فحمل الآية على هذا المعنى شائع جائز تشهد له اللغة.. والوجه الثالث إنا قد علمنا أن الله تعالى قد ملك العباد في دار التكليف أمورا تنقطع بانقطاع التكليف وإفضاء الأمر إلى الدار الآخرة مثل ما ملكه الموالي من العبيد وما ملكه الحكام من الحكم وغير ذلك فيجوز أن يريد الله تعالى برجوع الأمر إليه انهاء ما ذكرناه من الأمور التي يملكها غيره بتمليكه إلى أن يكون هو وحده مالكها ومدبرها.. ويمكن في الآية وجه آخر وهو أن يكون المراد بها أن الأمر ينتهي إلى أن لا يكون موجود قادر غيره ويفضي الأمر في الانتهاء إلى ما كان عليه في الابتداء لأن قبل انشاء الخلق هكذا كانت الصورة وبعد إفنائهم هكذا يصير وتكون الكناية برجوع الأمر إليه عن هذا المعنى وهو رجوع حقيقي لأنه عاد إلى ما كان عليه متقدما.. ويحتمل أيضا أن المراد بذلك ان إلى قدرته تعود المقدورات لأن ما أفناه من مقدوراته الباقية كالجواهر والاعراض ترجع إلى قدرته ويصح منه تعالى إيجاده لعوده إلى ما كان عليه وإن كان ذلك لا يصح في مقدورات البشر وإن كانت
(٤٣)