فيما يعطيهم ويناقشهم فيما يوصله إليهم وما أشبه ذلك فلما انتفت هذه الأمور من عطاياه سبحانه جاز أن يقول إنه يرزق من يشاء بغير حساب.. ورابعها ما أجاب به قطرب قال معنى الآية يعطى العدد الكثير لا ما يضبطه الحساب أو يأتي عليه العدد لأن مقدروه تعالى لا يتناهي وخزائنه لا تنحصر ولا يصح عليه النفاد وليس كالمعطي منا الألف من الألفين والعشرة من المائة لان مقدار ما يتسع له ويتمكن منه محدود متناه ولا تناهي ولا انقطاع لما يقدر سبحانه عليه.. وخامسها أن يعطى عباده في الجنة من النعيم واللذات أكثر مما استحقوا وأزيد مما وجب لهم بمحاسبته إياهم على طاعتهم كما قال تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وكما قال عز وجل (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم) وكما قال تعالى (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله).. وسادسها أن يكون المعطي منا غيره شيئا والرازق سواه رزقا قد يكون له ذلك فيكون فعله حسنا لا يسأل عنه ولا يؤاخذ به ولا يحاسب عليه وربما لم يكن له ذلك فيكون فعله قبيحا يؤاخذ به ويحاسب عليه فنفى الله تعالى عن نفسه أن يفعل من الرزق القبيح وما ليس له أن يفعله بنفي الحساب عنه وأنبأ أنه لا يرزق ولا يعطى إلا على أفضل الوجوه وأحسنها وأبعدها من الذم وتجرى الآية مجرى قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) وإنما أراد انه تعالى من حيث وقعت أفعاله كلها حسنة غير قبيحة لم يجز أن يسأل عنها وان سئل العباد عن أفعالهم لأنهم يفعلون الحسن والقبيح معا.. وسابعها ان الله تعالى إذا رزق العبد وأعطاه من فضله كان الحساب عن العبد ساقطا من جهة الناس فليس لأحد أن يقول له لم رزقت ولا يقول لربه لم رزقته ولا يسأله ربه عن الرزق وإنما يسأله عن انفاقه في الوجوه التي ينفقه فيها فسقط الحساب من هذه الوجوه عما يرزقه الله تعالى ولذلك قال تعالى (بغير حساب).. وثامنها أن يكون المراد بمن يشاء أن يرزقه من أهل الجنة لأنه يرزقهم رزقا لا يصح أن يتناول جميعه الحساب ولا العدد والاحصاء من حيث لا نهاية له ولا انقطاع للمستحق منه ويطابق هذه الآية قوله تعالى في موضع آخر (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)
(٥٧)