حال كفرهم لأن القائل إذا قال أريد أن يلقاني فلان وهو لابس أو على صفة كذا وكذا فالظاهر أنه أراد كونه على تلك الصفة.. الجواب قلنا أما التعذيب بالأموال والأولاد ففيه وجوه.. أولها ما روى عن ابن عباس وقتادة وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ويكون التقدير فلا تعجبك يا محمد ولا يعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار والمنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها واستشهد على ذلك بقوله تعالى (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون).. وأنشد في ذلك قول الشاعر عشية أبدت جيد أدماء مغزل * وطرفا يريك الإثمد الجون أحورا يريد وطرفا أحور يريك الإثمد الجون وقد اعتمد هذا الوجه أيضا أبو علي قطرب وذكره أبو القاسم البلخي والزجاج.. وثانيها أن يكون معنى التعذيب بالأموال والأولاد في الدنيا هو ما يجعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبى أولادهم واسترقاقهم وفي ذلك لا محالة إيلام لهم واستخفاف بهم وإنما أراد الله تعالى بذلك اعلام نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين انه لم يرزق الكفار الأموال والأولاد ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ورضى عنهم بل للمصلحة الداعية إلى ذلك وانهم مع هذه الحالة معذبون بهذه النعم من الوجه الذي ذكرناه فلا يجب أن يغبطوا بها ويحسدوا عليها إذ كانت هذه عاجلتهم والعقاب الأليم في النار آجلتهم وهذا جواب أبي على الجبائي وقد طعن عليه بعض من لا تأمل له فقال كيف يصح هذا التأويل مع انا نجد كثيرا من الكفار لا تنالهم أيدي المسلمين ولا يقدرون على غنيمة أموالهم ونجد أهل الكتاب أيضا خارجين عن هذه الجملة لمكان الذمة والعهد وليس هذا الاعتراض بشئ لأنه لا يمتنع أن تختص الآية بالكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد ممن أوجب الله تعالى محاربته فأما الذين هم بحيث لا تنالهم الأيدي أو هم من القوة على حد لا يتم معه غنيمة أموالهم فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب لأنهم ممن أراد الله تعالى أن يسبى ويغنم ويجاهد ويغلب وان لم يقع ذلك وليس في ارتفاعه بالتعذر دلالة على أنه غير مراد.. وثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم
(١٥٣)