بذلك كلما يدخله في الدنيا عليهم من الغموم والمصائب بأموالهم وأولادهم التي لهؤلاء الكفار المنافقين عقاب وجزاء وللمؤمنين محنة وجالبة للعوض والنفع ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر قبل موته وعند احتضاره وانقطاع التكليف عنه مع أنه حي من العذاب الدائم الذي قد أعد له واعلامه انه صائر إليه أو منتقل إلى قراره وهذا الجواب قد روى معنى أكثره عن قوم من متقدمي المفسرين وذكره أبو علي الجبائي أيضا.. ورابعها جواب يحكى عن الحسن واختاره الطبري وقدمه على غيره وهو أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق في أموالهم لأن ذلك يؤخذ منهم على كره وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية ولا عزيمة فتصير نفقتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا.. [قال الشريف المرتضي] رحمه الله وهذا وجه غير صحيح لأن الوجه في تكليف الكافر اخراج الحقوق من ماله كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ومحال أن يكون إنما كلف اخراج هذه الحقوق على سبيل العذاب والجزاء لأن ذلك لا يقتضي وجوبه عليه والوجه في تكليف الجميع هذه الأمور هو المصلحة واللطف في التكليف ولا يجري ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذي قبل هذا من أن المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة وللكافرين عقوبة لأن تلك الأمور مما يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلف إلا وجه واحد وهو المصلحة في الدين فاقترن الأمران وليس لهم أن يقولوا ليس التعذيب في ايجاب الفرائض عليهم وإنما هو في اخراجهم لأموالهم على سبيل التكره والاستثقال وذلك أنه إذا كان الأمر على ما ذكروه وخرج الأمر من أن يكون مرادا لله تعالى لأنه جل وعز ما أراد منهم اخراج المال على هذا الوجه بل على الوجه الذي هو طاعة وقربة فإذا أخرجوها متكرهين مستثقلين لم يرد ذلك فكيف يقول إنما يريد الله ليعذبهم بها ويجب أن يكون ما يعذبون به شيئا يصح أن يريده الله تعالى.. [قال الشريف] رحمه الله وجميع هذه الوجوه التي حكيناها في الآية إلا جواب التقديم والتأخير مبنية على أن الحياة الدنيا طوق للعذاب فيحمل كل متأول من القوم ضربا من التأويل ويطابق ذلك وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه ولا إلى التقديم والتأخير إذا لم يجعل الحياة ظرفا للعذاب بل جعلناها ظرفا للفعل
(١٥٤)