وعزم على فعله أن يجتنبه والمنبه له على أن الحظ في الانصراف عنه يصح أن يقال منعه منه وحال بينه وبين فعله.. قال عبيد الله بن قيس الرقيات حال دون الهوى ودون * سرى الليل مصعب وسياط على أكف * رجال تقلب ونحن نعلم أنه لم يحل إلا بالتخويف والترهيب دون غيرهما.. فان قيل كيف يطابق هذا الوجه صدر الآية.. قلنا وجه المطابقة ظاهر لأنه تعالى أمرهم بالاستجابة لله تعالى ولرسوله فيما يدعون إليه من فعل الطاعات والامتناع من المقبحات فأعلمهم انه بهذا الدعاء والانذار وما يجري مجراهما يحول بين المرء وبين ما تدعوه إليه نفسه من المعاصي ثم إن المآب بعد هذا كله والمنقلب إلى ما عنده فيجازي كلا باستحقاقه.. فأما قوله تعالى (إذا دعاكم لما يحييكم) ففيه وجوه.. أولها أن يريد بذلك الحياة في النعيم والثواب لان تلك هي الحياة الدائمة الطيبة التي يؤمن من تغيرها ولا يخاف انتقالها فكأنه تعالى حث على اجابته التي تكسب هذه الحال.. وثانيها انه يختص ذلك بالدعاء إلى الجهاد وقتال العدو فكأنه تعالى أمرهم بالاستجابة للرسول عليه الصلاة والسلام فيما يأمرهم به من قتال عدوهم ودفعهم عن حوزة الاسلام وأعلمهم ان ذلك يحيهم من حيث كان فيه قهر للمشركين وتقليل لعددهم وفل لجهدهم وحسم لأطماعهم لأنهم متى كثروا وقووا استلانوا جانب المؤمنين وأقدموا عليهم بالقتل وصنوف المكاره فمن ههنا كانت الاستجابة له عليه الصلاة والسلام تقتضي الحياة والبقاء ويجري ذلك مجرى قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة).. وثالثها ما قاله قوم من أن كل طاعة حياة ويوصف فاعلها بأنه حي كما أن المعاصي يوصف فاعلها بأنه ميت والوجه في ذلك ان المؤمن الطائع لما كان منتفعا بحياته وكانت تؤديه إلى الثواب الدائم قيل إن الطاعة حياة ولما كان الكافر العاصي لا ينتفع بحياته من حيث كان مصيره إلى العقاب الدائم كان في حكم الميت ولهذا يقال لمن كان منغص الحياة غير منتفع بها فلان بلا عيش ولا حياة وما جرى مجرى ذلك من حيث لا ينتفع بحياته.. ويمكن في الآية وجه آخر وهو أن يكون المراد بالكلام الحياة في الحكم لا في
(١٦٦)