بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) ومن يجيب بهذا الجواب يتأول قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) على أن المعنى فيه الاخبار عن الاقتدار وعدم المشقة في الإعادة كما أنها معدومة في الابتداء ويجعل ذلك نظيرا لقوله تعالي (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) ويتأول قوله (فبصرك اليوم حديد) على أن معناه الاخبار عن قوة المعرفة وان الجاهل بالله في الدنيا يكون عارفا به في الآخرة والعرب تقول فلان بصير بهذا الأمر وزيد أبصر بكذا من عمرو ولا يريدون ابصار العين بل العلم والمعرفة ويشهد بهذا التأويل قوله تعالى (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) أي كنت غافلا عما أنت الآن عارف به فلما كشفنا عنك الغطاء بان أعلمناك وجعلنا في قلبك المعرفة عرفت وعلمت فأما الخبر الذي يدعى رؤيته فهو خبر واحد ولا حجة في مثله وإذا عرف لفظه ربما أمكن تأوله على ما يطابق هذا الجواب ومن ذهب إلى الأجوبة الأول يجعل العمى الأول والثاني معا غير الآفة في العين فان عورض بقوله تعالى (ونحشره يوم القيامة أعمى) نؤله بالعمى عن الثواب أو عن الحجة وقال في قوله لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ان معناه انني كنت بصيرا في اعتقادي وظني من حيث كنت أرجو الهداية إلى الثواب وطريق الجنة والمحصل من هذه الجملة انه لا يجوز أن يراد بالعمى الأول والثاني جميعا الآفة في العين لأنه يؤدي إلى أن كل من كان مكفوف البصر في الدنيا من مؤمن وكافر وطائع وعاص يكون كذلك في الآخرة وهذا باطل وبمثله يبطل أن يراد بلفظه أعمى الثانية المبالغة بمعنى أفضل من فلان ويبطله أيضا أن العمى الذي هو الخلقة لا يتعجب منه بلفظة افعل وإنما يقال ما أشد عماه ولا يجوز أن يراد بالعمى الأول عمى العين والثاني العمي عن الثواب أو الجنة أو الحجة لأنا نعلم أن فيمن عميت عينه في الدنيا من يستحق الثواب ويوصل إليه ولا يجوز أن يراد بالأول والثاني العمى عن المعرفة والايمان لا على طريق المبالغة والتعجب ولا على غير ذلك لأنا نعلم أن الجهال بالله تعالى المعرضين في الدنيا عن معرفته لا يجوز أن يكون في الآخرة كذلك فضلا أن يكونوا على أبلغ من هذه الحالة لان المعارف في الآخرة ضرورية يشترك فيها جميع الناس فلم يبق
(٦١)