مقام العناد والانكار كما يظهر من عتابهم على جوارحهم لم شهدتم علينا، و عليه فشهادة الجوارح إلجاء واضطرارا كيف تكون دليلا على صحة المدعى و تمامية الحجة عليه، وله أن يقول يا رب لا أقبل شهادتها لأنها مجبورة مقهورة.
والتحقيق في الجواب يقتضي حمل كلام الجوارح سراء كان من سنخ الكلام الواقعي أو كلاما مجازيا على أن المراد بإنطاق الله (تعالى) لها خلقه لها على نحو يدخر في ذاتها الحوادث والماجريات مثل المسجل أو مثل ما يعرفه علماء الأثر في الأجزاء الباقية من الحيوانات القديمة من العلائم التي يعرفون بها مدة عمرها وسائر شرائطها.
وحيث أن دلالة هذه العلائم أو دلالة صور الأفلام وأصوات المسجلات على مدلولاتها دلالة عقلية واقعية وليست دلالة جعلية أو قهرية بالإعجاز و نحوه بل مثل دلالة الدخان على النار وسائر الآثار على المؤثرات.
فلو كان استخراج الكلام من الأعضاء والجوارح مثل استخراجه من شريط المسجل ودلالته على أصله المأخوذ منه ودلالة صور الفلم على أصلها ودلالة ساير الدوال القهرية الطبيعية على مدلولاتها.
فحينئذ يكون تكلمها بمعنى إنطاقها بما في ذاتها من أثر الجرم لا إيجاد شئ ليس فيه، فمنشأ كلامها ونطقها هو الأثر الذي أحدثته المعصية في اليد والرجل وغيرهما، وإنطاقه (تعالى) وتكليمه لها ليس إلا استخراج ما في ذاتها من الآثار أو الكلام.
ولا ريب في تمامية الحجة بمثل هذا النطق والتكليم ولذا لا يعترضون عليه كما اعترضوا بشهادة الملائكة لكونها دلالة واقعية كاشفة عن الأمر السابق كشفا بينا مطابقا لقانون العدل والحق.