مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون.
هذه المسألة مثل كثير من المسائل التي كان القدماء من المتكلمين بناؤهم على لزوم تأويلها لمصادمتها للعقل وجعلوا استحالة تكلم السمع والبصر واليد والرجل مثل المحالات الذاتية التي يجب تأويل ظواهر الكتاب والسنة لأجلها، و قد مر نظيرها في مسألة حضور أمير المؤمنين عند المحتضرين ومسائل أخرى أشرنا سابقا إلى ما فيها من الاشكال وكذا رؤية الأعمال وسماع الأقوال يوم القيامة.
وخلاصته هنا أن تكليم اليد والرجل مثلا ليس من المحالات الذاتية بل من المحالات العادية التي تخالف النواميس الجارية في هذا العالم لعدم تعلق إرادته (تعالى) بها، لا لعدم قابليتها للإرادة أو خروجها عن حد الامكان، فقد وقع تكليم الحصى في يد رسول الله (ص) وتكليم الذئب والضب والشجر و حيث أن الدار الآخرة دار حيوان فلا يبعد أن يكون كل شئ متكلما هناك كما يظهر من قوله (تعالى) (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ، ولو كانت مجرد الدلالة العقلية ونحوها فما معنى قولهم لم شهدتم علينا، وجوابها بأنطقنا الله الذي أنطق كل شئ.
وهناك شبهة قوية يشترك فيها المعنى الحقيقي والمجازي وهي أن إنطاق الجوارح إذا كان بالقدرة القاهرة ومن دون اختيار منها كما هو ظاهر الآيات فما فائدة شهادتها، إذ الفائدة في الشهادة ثبوت المطلب لمنكره بحيث لا يمكنه الاعتراض، فإذا فرضنا أن الله (تعالى) ينطق الجوارح على طبق ما يريد فإما أن يكون المجرم يعترف بالحقيقة فحينئذ - يكفيه شهادة الله (تعالى)، وإما أن يكون في