الإيمان قد كان يجوز أن يكون بدلا من الكفر في وقته، ولا أقول في حال الإيمان إن الكفر يجوز كونه فيه بدلا منه ولا الإيمان يجوز وجوده في حال الكفر بدلا منه، وذلك أن جواز الشئ هو تصحيحه وصحة إمكانه وارتفاع استحالته، والكفر مضاد للإيمان ووجود الضد محيل لجواز وجود ضده كما يحيل وجوده، فإذا قال القائل: (إن الكافر يجوز منه الإيمان الذي هو بدل من الكفر) تضمن ذلك جواز اجتماع الضدين، وإذا قال (قد كان يجوز) بتقدم لفظ (كان) على (يجوز) (1) لم يتضمن ذلك محالا.
فأما القول بأنه يجوز من الكافر الإيمان في مستقبل (2) أوقات الكفر، و يجوز من المؤمن الكفر كذلك وليس (3) بمنكر لارتفاع التضاد والإحالة، وليس هذا القول هو الخلاف بيننا وبين المجبرة وإنما خلافهم لنا في الأول وعليه أهل العدل كما إن أهل الاجبار بأسرهم على خلافهم فيه.
110 - القول في خلق ما لا عبرة به ولا صلاح فيه وأقول: إن خلق ما لا عبرة به لأحد من المكلفين ولا صلاح فيه لأحد من المخلوقين عبث لا يجوز على الله تعالى، وهذا مذهب أهل العدل، وقد ذهب إلى خلافه جميع أهل الجبر، واشتبه على كثير من الناس فيه خلق ما في قعور البحار وقلل الجبال وبواطن الحيوان مما لا يحسه أحد من البشر، فذهب عليهم وجه الانتفاع به وانسد عليهم طريق الاعتبار بمشاهدته فخالفوا أهل الحق فيما