هذا البحث متفرع على البحث عن حسن التكليف أو لزومه، فإن التكليف وتشريع الشرايع وإرسال الرسل وإنزال الكتب وما يستتبعه هذه الأمور في الدنيا والآخرة من الحساب والكتاب والثواب والعقاب كلها متفرع على دفع هذا الاحتمال وهو أنه لماذا لم يخلق الله عباده في الجنة ابتداء من دون تكليف وغيره؟ وهذه شبهة أوردها الملاحدة وتبعهم الجاحظ وبشر بن المعتمر و جماعة وتعرض لردها أكثر من تعرض لمسألة التكليف والنبوة ونحوهما، إذ لا يثبت حسن التكليف فضلا عن لزومه إلا بدفع هذا الاحتمال، ولكن بعض المتكلمين بحثوا عنه في ضمن البحث عن التكليف، وبعضهم مثل الشيخ المفيد قده بحث عنه مستقلا، وكيف كان فهي من أهم المسائل الكلامية، ولكنها متفرع على مسألة العدل والحسن والقبح، فالقائلين بالعدل وبالحسن والقبح يوجبون التكليف ويحكمون بقبح (ابتداء الخلق في الجنة) والمجبرة المنكرين للعدل وللحسن والقبح العقليين لا يرونه حسنا ولا لازما، بل اختيار منه (تعالى) جزافا بلا سبب.
(54) قوله في القول 31 (عبد السلام بن محمد الجبائي) خلاصة مبناه أن كلا من الفعل والترك مشروطين بالقصد، فمن لم يفعل فعلا لعدم التفاته أو نحو ذلك لا يكون تاركا ولا ممتثلا للنهي. فتارك شرب الخمر لعدم خطوره بباله غير ممتثل للنهي، مثل شاربه بدون القصد فإنه أيضا غير عاص، إذا المطلوب بالأمر والنهي هو الفعل والترك الاختياريان، ولا يتصور كون المكلف مختارا فيهما مع ضرورة تلبسه بأحدهما بل كون شيئين اختياريين لا يتصور إلا مع إمكان خلو المكلف منهما، وأيضا لو قلنا بلزوم اتصاف المختار