ذلك لما يحصل للنفس من العلم بوجود الذاهب في الجهات حسا وليس يصح على الأعراض الذهاب في الجهات، كما إنه قد يدرك الشئ على ما وصفناه فقد يدرك فيه ما يقبض البصر ويبسطه ويدرك ما يكون في مكانه ويخرج به عنه، ولا فرق بين من زعم أن الادراك إنما هو للألوان والأكوان دون الجواهر والأجسام، وبين من قلب القضية وزعم أن الادراك إنما هو للأجسام (1) دون ذلك، بل قول هذا الفريق أقرب لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود الأعراض ولم يشك أحد منهم في وجود الأجسام وإن ادعى بعضهم أنها مؤلفة من أعراض. وهذا مذهب جمهور أهل النظر، وقد خالف فيه فريق منهم.
142 - القول في الأجسام هل يصح أن يتحرك جميعها بحركة بعضها؟
وأقول: إنه لا يصح ذلك كما لا يصح أن يسود جميعها بسواد بعضها و لا يبيض ولا يجتمع ولا يتفرق، ولأن المتحرك هو ما قطع المكانين، ومحال أن يكون اللابث قاطعا. وهذا مذهب جماعة كثيرة من أهل النظر، وقد خالف فيه كثير أيضا منهم وهو مذهب أبي القاسم البلخي وغيره من المتقدمين.