وأما عبد السلام بن محمد الجبائي فإنه كان يجوز خلو القادر عن الفعل والترك، وقد احتج لمذهبه بأن القادر لكونه قادرا لو لم يجز خلوه عن الأخذ والترك لما جاز خلو القديم تعالى عن ذلك فيلزم منه قدم الفعل.
وأما تجويز تعذيب العبد في ذلك الحال فمبني على قوله بثبوت الواجب العقلي، وأن الله تعالى لما أكمل عقول المكلفين ووهب لهم من القدرة والاستطاعة وتهيئة الآلات والجوارح ما أزاح بها عللهم كانوا ملزمين بفعل ما يحسنه عقولهم وترك ما يقبحه واجتنابه، ففي هذا الحال لما ترك العبد فعل الطاعة الواجب عليه بحكم العقل يصح التعذيب له على ذلك وإن كان لم يصدر منه قبيح أيضا فتجويزه لتعذيبه لأجل تركه ما كان ملزما بفعله بحسب حكم العقل وإن لم يكن بخروجه من الفعل والترك لم يفعل هو شيئا ولم يفعل به شئ ولم يقع له إلجاء واضطرار إلى الفعل.
وكون مقالته في بعض الوجوه أعظم فحشا من مذهب جهم من جهة أن جهما يرى العبد ملجأ ومضطرا إلى الفعل، والجبائي لا يراه كذلك ومع ذلك يجوز تعذيبه وهذا كما تراه مخالف للعدل. ز.
القول 32: أنبياء الله - صلوات الله عليهم - معصومون - 62 / 2.
العصمة في موضوع اللغة هو المنع وقد خص في اصطلاح المتكلمين بمن يمتنع باختياره عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقه، وعرفه صاحب كتاب (الياقوت) من قدماء الإمامية بأنه لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر، أي إنه لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما. وللمصنف بيان واف في معناه في الزيادة الملحقة بآخر الكتاب.
وأما مسألة عصمة الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - عن الذنوب