ولعل من هذا القبيل قوله (تعالى) في فرعون: فأراد أن يستفزهم من الأرض) 103 الاسراء، يعني أنه كان مصمما على ذلك من دون أن يصل إلى مرحلة العمل، وقوله (تعالى): فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما 19 القصص أي قصد، وأما الإرادة المتصلة بالعمل فلا ينفصل عنه إلا بقاسر خارجي.
(143) قوله في القول 118 (ومحال تعلق الإرادة بالموجود أو الإرادة له بأن يكون تقربا) أقول: ضمير له يرجع إلى الفعل يعني إرادة الفعل للتقرب وإرادته بأن يكون موصوفا بالتقرب وهذا البحث يمكن أن ينطبق على بحث الانقياد والتجري المبحوث عنهما في الأصول، وإن اختلفت حيثية البحث هنا مع الأصول، فالبحث هنا عن أن الحكم العقلي للإرادة من الحسن والقبح والمقربية والمبعدية هل هو تابع للمراد، بأن تكون إرادة الحسن حسنا مقربا وإرادة القبيح قبيحا ومبعدا عن المولى؟ أو إن الإرادة ربما تخالف المراد فتكون إرادة الحسن قبيحا وإرادة القبيح حسنا، أو بالأقل لا يتصف بصفة المراد وإن لم يتصف بصفة ضده أيضا.
فالشيخ المفيد حكم هنا بتبعية الإرادة للمراد، من جهة الأحكام العقلية والشرعية فإرادة الحسن حسنة، وإرادة القبيح قبيحة، وإرادة المقرب مقربة، وإرادة المبعد مبعدة، ولا يمكن التفكيك بين حكم الإرادة والمراد.
وبعبارة أخرى المريد متمكن من إرادة المقرب وإيجادها وعدم إرادته، وليس له إن جعلها مقربة، بل إذا أوجدها فهي مقربة أو مبعدة بنفسها كما يحكي عن الشيخ ابن سينا من أن الله ما جعل المشمش مشمشا بل أوجدها.