فليتأمل المتأملون حال أبي بكر، وليمعنوا النظر، فإنهم سيقفون على ذكر السكينة في الغار بين جميع ما أنزل الله تعالى في كتابه مفردا لرسول الله صلى الله عليه وآله ليس لصاحبه فيها حظ، وأنه جل ذكره، قال:
(ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (1) فأفرد الله رسوله بالسكينة، وخصه بالوقار والطمأنينة دون صاحبه، وإن ضرب الأنك بآذانهم (2).
وذهبوا إلى عوج التأويل وزيغ التفسير، وإلى ما يأبى الحق الا إقامته، واللغة الا إظهاره، فقالوا: إنما نزلت السكينة على أبي بكر دون رسول الله، إذ كان رسول الله مستغنيا عنها، وأبو بكر محتاجا إليها احتججنا عليهم بما لا يقدرون على دفعه، وعرفناهم خطأ ما تأولوه، فإن الغار قبل كل موطن ذكرت فيه السكينة، وقد سمعنا الله تعالى يقول:
(ويوم حنين) (3)، وهي أيام حروب النبي صلى الله عليه وآله ثم أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين، ولو كانت لا تنزل عليه الا عن فقر وفاقة لكان مستغنيا عنها يوم حنين (4)، وحاجته إليها في الغار أشد حاجة،