المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - الصفحة ١٥٩
شاطئ الفرات فقال: سمعت رسول الله يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا ولم يزل الاختلاف بينهم، حتى بعثوا حكمين ضالين ضل (1) من تبعهما، ولا ينفك أمركم أن يختلف حتى تبعثوا حكمين ضالين، ويضل من اتبعهما، فقلت: أعيذك بالله أن تكون أحدهما، قال: فخلع قميصه، وقال:
برأني الله من ذلك كما برأني من قميصه (2).
28 - ومن علمائكم: المغيرة بن شعبة، وقد شهد عليه ثلاثة بالزنا، ولقن الرابع فتلجلج في الشهادة، فرفع عنه الحد (3).

(١) - وفي " ش ": ضال.
(٢) - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٣، ص 315: وروى عن سويد بن غفلة قال: كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان، فروى لي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: سمعته يقول: " إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل الاختلاف بينهم، حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا وأضلا من اتبعهما، ولا ينفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين يضلان ويضلان من تبعهما "، فقلت له: احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما! قال: فخلع قميصه، وقال: أبرأ إلى الله من ذلك، كما أبرأ من قميصي هذا.
قال ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ج 13، ص 251: عن سويد بن غفلة قال:
سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون في هذه الأمة حكمين ضالين، ضال من اتبعهما ". فقلت: يا أبا موسى، أنظر لا تكون أحدهما، قال: فوالله ما مات حتى رأيته أحدهما.
(3) - وفي " ش ": فلجلج في الشهادة حتى رفع عنه الحد.
قال القاضي أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان ج 6، ص 364:
وأما حديث المغيرة بن شعبة الثقفي والشهادة عليه، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد رتب المغيرة أميرا على البصرة، وكان يخرج من دار الامارة تصف النهار، وكان أبو بكرة المذكور يلقاه فيقول: أين يذهب الأمير؟ فيقول في حاجة فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور.
قالوا: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو، وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي. وقال ابن الكلبي في كتاب " جمهرة النسب ": هي أم جميل بنت الأفقم بن محجن بن أبي عمرو بن شعيثة ابن الهرم، وعدادهم في الأنصار. وزاد غير ابن الكلبي فقال: الهزم بن رؤيبة ابن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، والله أعلم.
قال الراوي: فبينما أبو بكرة في غرفة مع إخوته، وهم نافع وزياد المذكوران وشبل ابن معبد والجميع أولاد سمية المذكورة، فهم إخوة لام، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخري قبالة هذه الغرفة، فضربت الريح باب غرفة أم جميل ففتحته، ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له:
إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، قال: وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر، ومضى أبو بكرة فقال: لا والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير، واكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتبوا إليه، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمر رضي الله عنه، فدعا بالشهود والمغيرة فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها؟ قال: نعم والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: لقد ألطفت في النظر، فقال أبو بكرة: لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به، فقال عمر رضي الله عنه: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم أشهد على ذلك فقال: فاذهب عنك مغيرة ذهب ربعك، ثم دعا نافعا فقال له:
علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة، قال: لا، حتى تشهد أنه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة، قال: نعم حتى بلغ قذذه - قلت، القذذ: بالقاف المضمومة وبعدها ذالان معجمتان وهي ريش السهم - قال الراوي: فقال له عمر رضي الله عنه: اذهب مغيرة ذهب نصفك، ثم دعا الثالث فقال له: على ما تشهد؟ فقال: على مثل شهادة صاحبي، فقال له عمر رضي الله عنه: اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك.
ثم كتب إلى زياد، وكان غائبا فقدم، فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلا قال: إني أرى رجلا لا يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين، ثم إن عمر رضي الله عنه رفع رأسه إليه فقال: ما عندك يا سلح الحباري؟
فقيل إن المغيرة قام إلى زياد فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس - قلت: وهذا مثل للعرب لا حاجة إلى الكلام عليه، فقد طالت هذه الترجمة كثيرا -. قال الراوي: فقال له المغيرة: يا زياد، أذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة، فإن الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت، فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز إلى ما لم تر، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها، قال فدمعت عينا زياد واحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين، أما إن أحق ما حق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا ورأيت مستبطنها، فقال عمر رضي الله عنه: رأيته يدخل كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، وقيل قال زياد: رأيته رافعا رجليها فرأيت خصييه تتردد إلى بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا، فقال عمر رضي الله عنه: رأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، فقال عمر رضي الله عنه: الله أكبر قم إليهم فاضربهم، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد، ودرأ الحد عن المغيرة. فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا، فهم عمر رضي الله عنه أن يضربه حدا ثانيا، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن ضربته فارجم صاحبك، فتركه. واستتاب عمر أبا بكرة فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي، فقال: أجل، فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا. فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم، فقال عمر رضي الله عنه: بل أخزى الله مكانا رأوك فيه.
وذكر عمر بن شبة في كتاب " أخبار البصرة " أن أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره، فكان يقال ما ذاك إلا من ضرب شديد. وحكى عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أباه حلف لا يكلم زيادا ما عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه زياد، وأن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي، وكان النبي صلى الله عليه وآله آخى بينهما، وبلغ ذلك زيادا فخرج إلى الكوفة. وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره.
ثم إن أم جميل رافقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالموسم، والمغيرة هناك فقال له عمر:
أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟ قال: نعم هذه أم كلثوم بنت علي، فقال له عمر: أتتجاهل علي؟ والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
قلت: ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أول باب عدد الشهود في كتاب " المهذب ":
وشهد على المغيرة ثلاثة: أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد، وقال زياد: رأيت استا تنبوا ونفسا يعلو ورجلين كأنهما أذنا حمار، ولا أدري ما رواء ذلك، فجلد عمر الثلاثة ولم يحد المغيرة.
قلت: وقد تكلم الفقهاء على قول علي رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه إن ضربته فارجم صاحبك، فقال أبو نصر ابن الصباغ - المقدم ذكره - وهو صاحب كتاب " الشامل " في المذهب: يريد أن هذا القول إن كان شهادة أخرى فقد تم العدد، وإن كان هو الأول فقد جلدته عليه والله أعلم.
وذكر عمر بن شبة في " أخبار البصرة " أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسل أقطعني البحرين، فقال: ومن يشهد لك بذلك؟ قال:
المغيرة بن شعبة، فأبى أن يجيز شهادته.
[قال ابن خلكان]: قلت: وقد طالت هذه الترجمة، وسببه أنها اشتملت على عدة وقائع، فدعت الحاجة إلى الكلام على كل واحدة منها فانتشر القول لأجل ذلك، وما خلا عن فوائد.
سب رجل عليا (ع) عند المغيرة فلم ينكر ولم يرد، حلية الأولياء، ج 1، ص 95.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست