قوله (قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا [كذبا] في ثلاثة:
رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما، أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم) ظاهره يفيد جواز الكذب في هذه الثلاثة من غير تورية ولا ريب في أنها أولى مع الإمكان وهي أن تطلق لفظا ظاهرا في معنى وتريد آخر يتناوله ذلك اللفظ. ولكنه خلاف ظاهره، ومضمون الحديث متفق عليه بين الخاصة والعامة، ففي الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله): «لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضاها، والكذب في الحرب والكذب في الإصلاح بين الناس» وفي كتاب مسلم. قال ابن شهاب وهو أحد رواته لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها قال عياض لا خلاف في جوازه في الثلاث وإنما يجوز في صورة ما يجوز منه فيها فأجاز قوم فيها صريح الكذب وأن يقول ما لم يكن لما فيه من المصالح ويندفع فيها الفساد.
قالوا وقد يجب لنجاة مسلم من القتل وقال بعضهم: لا يجوز فيها التصريح بالكذب، وإنما يجوز فيها التورية بالمعاريض (1) وهي شيء يخلص من المكروه والحرام إلى الجائز أما لقصد الإصلاح بين الناس أو لدفع ما يضر أو لغير ذلك وتأول المروي على ذلك، وقال مثل أن يعد زوجته أن يفعل لها ويحسن إليها ونيته إن قدر الله تعالى أو يأتيها في هذا بلفظ محتمل وكلمة مشتركة يفهم من ذلك ما يطيب قلبها، وكذلك في الإصلاح بين الناس ينقل لهؤلاء الكلام المحتمل والغدر المحتمل، وكذلك في الحرب مثل أن يقول لعدوه: انحل حزام سرجك ويريد فيما مضى، ويقول لجيش عدوه: مات أميركم، ليذعر قلوبهم ويعني النوم أو يقول لهم: غدا يأتينا مدد وقد أعد قوما من عسكره ليأتوا في صورة المدد أو يعني بالمدد الطعام فهذا نوع من الخدع الجائزة والمعاريض المباحة، وقال القرطبي: لعل هذا القائل استند في منعه التصريح بقاعدة حرمة الكذب وتأويله