* الشرح:
قوله (قال يا رب أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني) الظاهر أن مراده بالبعد البعد المعنوي دون المكاني لأن تجويز ذلك كفر، فكان أولى بالجرح واللوم، وإنما نسب البعد إلى نفسه والقرب إليه عز وجل للتنبيه على أن البعد إذا تحقق كان من جانب العبد، والقرب إن تحقق كان من فضله عز وجل لأن العبد وإن بلغ في إخلاص العبودية لا يصلح أن يعد نفسه قريبا منه. وقوله «فلا تجيبني» معناه فلا تجيبني بسبب من الأسباب، والجواب ظاهر الانطباق على الشق الثاني مع إمكان انطباقه على الأول أيضا.
(قال فأتاه آت في منامه فقال: إنك تدعو الله عز وجل منذ ثلاث سنين بلسان بذي وقلب عات غير تقي ونية غير صادقة -... إلى آخره) البذي: الفحاش. وعات: اسم فاعل من عتى عتوا إذا استكبر وجاوز الحد، والتقوى: التنزه عن رذائل الأعمال والأخلاق وعما يشغل القلب عن الحق، والنية الصادقة: توجه القلب إلى الله تعالى وحده وانبعاث النفس نحو الطاعة غير ملحوظ فيه سوى وجه الله، ويفهم منه أن الفسق يمنع الإجابة، ولا ينافيه ما روى من أن دعاء الفاسق أسرع إجابة لكراهة استماع صوته لأن سرعة إجابة دعائه ليست كلية، على أن سرعة الإجابة يمكن أن يكون لمن كان مبغوضا بذاته، وأما من كان محبوبا بذاته ومبغوضا بفعله فربما تبطئ الإجابة نظرا إلى الأول وربما تسرع نظرا إلى الثاني وقد يكون البطء نظرا إلى الثاني لا لكراهة استماع صوته بل لغرض آخر كتنبيهه بالقبايح كما في هذا الرجل، والله أعلم.
8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه.
* الشرح:
قوله (إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه) هو الذي عرف بالفحش من القول واشتهر به لما يجري من لسانه من أنواع البذاء ويتكرر منه فيكره الناس مجالسته خوفا من فحشه لعدم أمنهم منه ومثله من لزم مجالسته لفحشه ومن لزم اكرامه لاتقاء شره.
9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: البذاء من الجفاء والجفاء في النار.
* الشرح:
قوله (البذاء من الجفاء) «من» إما تبعيضية أو ابتدائية، أي: البذاء ناش من الجفاء، والجفا في الأصل: الجهل ثم أطلق على الغلظة والفظاظة والإعراض عن الحق وطرده.