موسى (عليه السلام): فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم، فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: أعجبته نفسه وأستكثر عمله وأصغر في عينه ذنبه. وقال:
قال الله عز وجل لداود (عليه السلام) يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين قال: كيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك.
* الشرح:
قوله (إذا أقبل إبليس وعليه برنس -... إلى آخره) البرنس بضم الباء والنون وسكون الراء قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه ملتزق به دراعة كان أو جبة أو ممطرا أو غيره (فلا قرب الله دارك) لعله كناية عن حيرته أو بعد منزله عن المؤمن.
(به أختطف قلوب بني آدم) اختطاف «ربودن» يقال خطفه - من باب علم وضرب - واختطفه إذا استلبه وأخذه بسرعة. ومن طريق العامة: «أن الشيطان ليجثم على قلب ابن آدم له خرطوم كخرطوم الكلب إذا ذكر العبد الله عز وجل خنس وإذا غفل عن ذكر الله وسوس» واستحواذ الشيطان على العبد غلبته واستمالته إلى ما يريده منه.
(وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم) أي لا يتبهجوا بها ولا يتكلوا عليها ولا يعتقدوا أنهم بسببها خرجوا عن حد التقصير فإنه ليس عبد أنصبه أي أقيمه، وفعله من باب ضرب (للحساب إلا هلك) إذ كل عبد مقصر في أداء حقوقه تعالى وكل عمل ناقص في جنب عظمته ولا قدر له في مقابل نعمته فإذا وقع التقابل بين الأعمال والنعماء بقي أكثر النعماء لا مقابل لها من الأعمال فعلم أن إحسانه تعالى إلى العباد وإثابته انما هو بالتفضل لا بالعمل (1) فينبغي أن لا يعجبوا به مع كماله في النقص، فحاصل التعليل الردع عن العجب بالعمل لعدم الاعتداد به وعدم دخوله تحت الحساب وعدم الوزن له في مقابلة إحسانه تعالى.