باعتبار أن الاتقاء لا ينفعه لكون الحكم فيها معروفا من مذهبه.
3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): التقية من دين الله. قلت: من دين الله؟ قال: إي والله من دين الله ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) والله ما كانوا سرقوا شيئا ولقد قال إبراهيم: (إني سقيم) والله ما كان سقيما.
* الشرح:
قوله (التقية من دين الله قلت: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله) أي من دين الله الذي أمر عباده بالتمسك به لأن أكثر الخلق في كل عصر لما كانوا من أهل البدع قرر الله التقية في الأقوال والأفعال والسكوت عن الحق لخلص عباده حفظا لنفوسهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم وسبي ذراريهم وإبقاء لدينه الحق، ولولا التقية بطل دينه بالكلية وأنقرض أهله لاستيلاء أهل الجور، فللتقية فائدتان: توجب بقاء دين الحق وتحفظ أهله فهي مطلوبة بالعرض وأهلها يقولون ما لا يعتقدون فيسبون مثلا أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعتقدون خلافته ويغسلون أرجلهم ويعتقدون أن حكمها هو المسح، ولا تقية في العقائد الحقة باعتقاد خلافها لأن العقائد من الأسرار التي لا يعلمها إلا علام الغيوب.
واستشهد لجواز وقوع التقية بالآية فقال: (ولقد قال يوسف (أيتها العير إنكم لسارقون) والله ما كانوا سرقوا شيئا) نسب القول إلى يوسف باعتبار أنه أمر به والفعل ينسب إلى الآمر كما ينسب إلى الفاعل، والعير بالكسر: القافلة مؤنثة، وهذا القول - مع أنهم لم يسرقوا السقاية - ليس بكذب لأنه صدر منه لمصلحة يعلمها هو. وقد قيل: إن المصلحة هي حبس أخيه عنده بأمر الله تعالى لغرض من الأغراض الصحيحة، ويحتمل أن يكون إطلاق السارق عليهم من باب التشبيه في مجرد إذهاب مال الغير، أو في مجرد أن صورتهم بعد ظهور السقاية عندهم كصورة السارق وحاله ولذا قالوا: (إن سرق فقد سرق أخ له من قبل) مع ما فيه من تنبيههم بعد علمهم بالقضية على أن ما زعموه من سرقة يوسف مثل هذه، فكما لم تكن هذه سرقة عندهم وفي الواقع فكذلك ما زعموه، أو من باب التورية والمعاريض والمقصود أنكم لسارقون يوسف من أبيه كما قيل، وإن كان بعيدا لفظا ومعنى، ولعل الاستشهاد بهذه الآية على التقية هو أن التقية وهي إظهار خلاف الواقع لغرض من الأغراض الصحيحة جايزة كما في هذا الآية.
(ولقد قال إبراهيم اني سقيم والله ما كان سقيما) هذا القول مع عدم سقمه ليس بكذب لأنه أراد من باب التورية بسقمه حزن القلب وهمه من عناد القوم وعبادتهم للأصنام، ومما علمه بالنظر