العقد التحقيقي، فالأمور الجائزة بالذات خارجة عن سلسلة العقود التحقيقية منتظمة في سلسلة أخرى.
فان قلت: مقتضى تحقق القراض والجعالة بايجاب المالك وعدم توقفهما على قبول العامل الحكم باستحقاق العامل الجعل في الجعالة وحصة من الربح في القراض ولو قصد التبرع بعمله، لان المقتضى لاستحقاق العامل حينئذ هو ايجاب المالك وقد حصل ومانعية قصد التبرع غير معلومة كما أفاده المحقق جمال الدين (قدس سره) في حاشيته على الروضة البهية في باب الجعالة.
قلت: ايجاب المالك إنما يقتضى استحقاق العامل الجعل أو حصة من الربح ان عمل بقصد الاستحقاق أو ما لم يقصد التبرع لا انه يقتضى استحقاقه مطلقا حتى نشك في أن قصد التبرع مانع أم لا، ضرورة انه كما تقتضي سلطنة المالك على نفسه وجهاته نفوذ ما اختاره وأوجبه فكذلك تقتضي سلطنة العامل على نفسه وجهاته نفوذ ما اختاره من قصد التبرع أو الاستحقاق، فكما يكون للشخص ان يبيح ماله لغيره أو يملكه إياه بعوض أو مجانا فكذلك له ان يبذل عمله لغير تبرعا أو بعوض أو على وجه استحقاق حصة من الربح، فايجاب المالك إنما يقتضى استحقاق العامل لو أراد لا استحقاقه مطلقا ولو قصد التبرع والا لزم سلطنة المالك على العامل وسلب سلطنته على نفسه وعمله.
وإذا اتضح لك ان العقود الجائزة بالذات لا تكون عقودا تحقيقية، اتضح لك أمران:
الأول: سر ما اشتهر بينهم من عدم اعتبار التواصل بين الايجاب والقبول فيها فان الحاصل من الايجاب والقبول فيها ليس امرا وحدانيا بسيطا حتى يتوقف حصوله على اجتماعهما وعدم انفصالهما، بل الحاصل من القبول فيها امر آخر مرتب على الحاصل من ايجابه.
الثاني: سر قيام الفعل فيها مقام القبول بل قيامه مقامه في الحقيقة عبارة عن