الظن بالنسبة إلى التنجيز والحجية حيث إنه لخروجه عن مرتبة التحير المحض والتردد الصرف لم يكن كالشك حتى لا يقبل الحجية بالجعل ولتطرق احتمال الخلاف فيه وعدم بلوغه مرتبة الرجحان التام لم يكن كالعلم حتى يكون حجة بالذات، فحقيقة المضاربة عبارة عن تنزيل العمل من الربح منزلة المال منه وتقديره بقدر المال أو نصفه أو ثلثه وهكذا، فان قدر مقدار رأس المال فالربح بينهما انصافا، وان قدر نصف المال فهو بينهما أثلاثا وان قدر ثلث المال فهو بينهما أرباعا، ومن هذا القبيل المزارعة والمساقاة فان مرجعهما إلى تنزيل الأرض وعمل العامل منزلة البذر والشجرة بالنسبة إلى الغلة والثمرة فالمضاربة والمزارعة والمساقاة متحدة في الذات والحقيقة، واختلاف الأسامي باعتبار اختلاف خصوصيات الموارد وكذا اختلافها في بعض الأحكام كاعتبار تعيين المدة فيهما ولزومهما وعدم اعتباره فيها وجوازها فان قلت: إذا لم يكن العمل في عرض رأس المال ذاتا من حيث تبعية الربح له فكيف يتصور جعله سببا عديلا لرأس المال تنزيلا.
قلت: تنزيل العمل منزلة المال كسائر الجهات الوضعية التي يعتبرها العرف ويرتب عليها الآثار قابل للجعل وأي فرق بين جعل المبادلة بين المالين بعقد البيع وعلقة الأزواج بين الرجل والمرأة بعقد النكاح وتنزيل شخص منزلة آخر بالتوكيل وبين المقام، فكما ينفذ التصرفات المذكورة ويترتب عليها الآثار فكذلك تنزيل العمل منزل المال فان مقتضى مرجعية الشخص في جهاته وأموره واستقلاله فيها نفوذ تصرفاته وتقلباته الراجعة إلى شؤونه اقتضاءا ما لم يمنعه من هو أولى به من نفسه، فبطلان تصرفه يحتاج إلى الدليل واما نفوذه فهو مقتضى الأصل ما لم تختل شرائطه العرفية وكان جامعا لها.
إذا اتضح لك ما حققناه وأتقنت ما بيناه من أن مرجع القراض والمضربة إلى تنزيل العمل منزلة المال الموجب لاشتراك الربح بين العامل ورب المال اتضح لك أمران: