استغنائها عن القبول والا لزم عدم نفوذ الفعل من قبل العقد إذ مقتضى كونه قبولا للعقد توقف حصوله وتربته عليه، فلا يجوز نفوذ الفعل من قله ضرورة ان المحقق للشئ لا يعقل ان يتحقق منه، فظهر لك ان توهم عدم الاكتفاء لعمل العامل بعد ايجاب المالك واعتبار التواصل بين الايجاب والقبول في القراض والمضاربة في غير محله لما عرفت من أنه ليس من قبيل العقود التحقيقية.
هذه جملة مما يتعلق ببيان حقيقتها. فلنذكر ما يتضح به مفهوما اللفظين ووجه انطباقهما عليها. ففي المسالك: " هي مفاعلة من الضرب في الأرض لان العامل يضرب فيها للسعى على التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال فكان الضرب مسبب عنهما طردا لباب المفاعلة في طرفي الفاعل ومن ضرب كل منهما في الربح بسهم أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه ويقال للعامل: مضارب بكسر الراء لأنه الذي يضرب به في الأرض ويقلبه ولم يشتق أهل اللغة لرب المال من المضارب اسما، وهذه لغة أهل العراق، واما أهل الحجاز فيسمونه قراضا اما من القرض وهو القطع ومنه المقراض لأنه يقرض به فكأن صاحب المال اقتطع له من ماله قطعة وسلمها للعامل أو اقتطع له قطعة من الربح، أو من المقارضة وهي المساواة والموازنة يقال " تقارض الشاعران " إذا وازن كل منهما الاخر بشعره، ومنه: " قارض الناس ما قارضوك فان تركتهم لم يتركوك " يريد ساوهم فيما يقولون، ووجهه ان المال هنا من جهة مالكه والعمل من جهة العامل فقد تساويا في قوام العقد بهما أو لاشتراكهما في الربح، وتساويهما في أصل استحقاقه وان اختلفا في كميته ويقال: منه للمالك مقارض بالكسر وللعامل مقارض بالفتح " انتهى.
والتحقيق: ان القرض له مفهوم واحد مطرد في جميع موارد استعماله وهو القطع والفصل وتقارض الشاعرين عبارة عن قرض كل منهما الكلام مثل ما يقرضه الاخر فان نظم الكلام وصوغه على الوجه الموزون ليس الا بفصل بعضه عن بعض، ولذا سمى الشعر قريضا فمفاده في المقام ليس الا القطع والفصل المستفاد