الأول: ان الصناعات التي يتوقف النظام عليها تجب كفاية لوجوب إقامة النظام، بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه، مع أن جواز اخذ الأجرة عليها مما لا كلام لهم فيه، وكذا يلزم ان يحرم على الطبيب اخذ الأجرة على الطبابة لوجوبها عليه كفاية أو عينا كالفقاهة.
والثاني: انه لا شبهة في جواز استيجار الشخص للعبادة عن الميت واخذ الأجرة على التعبد بها عنه وهو مناف للاخلاص المعتبر في صحة العبادة، ضرورة انه لا اخلاص في اتيان العبادة بالأجرة.
وقد أجيب عن الاشكالين بوجوه متعددة لا يخلو كثير منها عن النظر.
والتحقيق في الجواب عن الأول: ان العقل إنما يحكم بوجوب بذل الصناعة في مقابل العوض لان حفظ النظام إنما يكون ببذل الصناعة في مقابل المال الموجب لانتظام امر الطرفين، واما ايجابها تبرعا فهو موجب لاختلال النظام.
والحاصل ان العقل إنما يحكم بوجوب بذل الصنعة بالمعاملة عليها ايجارا أو جعالة أو صلحا وهكذا، فموضوع الوجوب هو المعاملة عليها لا نفس الصناعة حتى يحرم المعاملة واخذ الأجرة عليها وهكذا الامر في الطبابة، دون الفقاهة لأنها وظيفة شرعية ولا يجوز اخذ الأجرة على إقامة الوظائف الشرعية وإنما يرتزق من بيت المال.
وعن الثاني بان الأجرة في العبادة عن الميت إنما هو على نيابته عنه في العبادة، وهو لا ينافي الاخلاص المعتبر فيها.
توضيحه ان العبادة لها طرفان العابد والمعبود، والاخلاص في العبادة إنما يعتبر في ارتباط العبادة بالمعبود. والنيابة في العبادة لا توجب مشاركة المنوب عنه مع المعبود حتى تنافى الاخلاص من العبادة، وهي مؤثرة في طرف الارتباط بالفاعل، فإنها تجعل المنوب عنه فاعلا للعبادة فاخذ الأجرة عليها إنما هو على جعل نفسه نائبا عن الميت في اتيان العبادة متقربا إلى الله تعالى.