أقول: لا يخفى انه قد تقدمت صحيحة معاوية ابن عمار أو حسنته دالة على أن من عليه خمس مأة درهم من الزكاة وعليه حجة الاسلام ولم يترك الا ثلاثمائة درهم، فإنه يقدم الحج أولا من أقرب الأماكن ويصرف الباقي في الزكاة، ومثلها ما رواه الشيخ في التهذيب عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل مات وترك ثلاثمائة درهم وعليه من الزكاة ستمأة درهم، وأوصى ان يحج عنه؟ قال " يحج عنه من أقرب المواضع ويجعل ما بقي في الزكاة " وظاهر الخبرين المذكورين بل صريحهما انه يجب أولا الحج عنه من أقرب الأماكن، ثم يصرف الباقي في الزكاة كائنا ما كان وانه لا تحاصص بينهما.
ولا يخفى ما في ذلك من الدلالة على بطلان ما ذكروه من التفصيل، وبيان ذلك من وجوه - وبين وجوها ثلاثة، إلى أن قال - ولا ريب انهم بنوا في هذه المسألة على مسألة تزاحم الديون وان الحكم فيها التوزيع بالحصص والحج دين، والنص ظاهر في اخرج دين الحج من هذه القاعدة التي بنوا عليها، وهذا مما يؤيد ما قدمناه في أصل المسألة: من أنه لا يكفي في اثبات الحكم الشرعي مثل هذه الأدلة، لجواز خروج موضوع البحث عنها، وهو مؤيد لما حققناه في غير موضع من توقف الفتوى في المسألة والحكم على النص الصريح الواضح الدلالة، فان الناظر في كلامهم هنا في الموضعين لا يكاد يختلجه الريب في صحة ما ذكروه بناء على القاعدتين المذكورتين، والنصوص كما ترى في الموضعين على خلاف ذلك انتهى.
أقول: ان أراد خروج دين الحج عن هذه القاعدة خروجه عن تزاحم الديون وتقدمه على سائر الديون مطلقا، ففيه ان الروايتين الشريفتين لا تدلان على ذلك، وإنما تدلان على تقدمه على دين الزكاة. وان أراد خروجه عن هذه القاعدة بالنسبة إلى دين الزكاة بمعنى دلالتهما على أهمية دين الحج بالنسبة إلى دين الزكاة فنعم، بل يمكن ان يقال دين الحج بالنسبة إلى دين الزكاة لا يتزاحمان، فان من جملة مصارف الزكاة صرفها في سبيل الله وقضاء الحج من جملة سبيل الله فقضاء الحج