وزعم أن المكره كالهازل فاقد لما به قوام صحة العقد من قصد المعنى وجب توضيح الكلام فيما به يتقوم صحة العقد حتى يتضح فصل الكلام في المقام.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته: ان منشأ انتزاع العقد اقتضاءا هو اللفظ المستعمل في مفهومه في مقام الانشاء وايجاد المفهوم أو ما بمنزلته من إشارة الأخرس فان جامع الشرط مع قابلية المحل وفقد المانع والمزاحم ترتب عليه المنتزع والا فلا، فصحة الصيغة المترتب عليها النفوذ تتقوم عرفا بأمور أربعة يتقوم بها منشأ الانتزاع.
فلو لم يكن في البين لفظ أو ما بمنزلته، أو كان ولم يستعمل في مفهومه بل صدر ذهولا أو سهوا أو هزلا أو عبثا ولغوا، أو استعمل في مفهومه ولم يكن في مقام الانشاء بل في مقام الاخبار، أو كان في مقام الانشاء ولم يكن في مقام ايجاد المفهوم بل في مقام الاستفهام التمني أو الترجي وهكذا من وجوه الانشاء، لا تتم الصيغة ولا تصح ولا يعقل النفوذ حينئذ، وإذا اجتمعت الأمور الأربعة صحت الصيغة وكانت محلا للنفوذ وعدمه بسبب اجتماع ماله دخل فيه وعدمه.
إذا تحقق لك ما حققناه فاعلم أن المراد من الاختيار هو طيب النفس والرضاء بالعقد، كما أن المراد من الاكراه هو عدم طيب النفس والرضاء به، لا ان المراد من الاختيار قصد العقد ومن الاكراه عدمه، ضرورة ان مجرد قصد العقد لا يكون كافيا في النفوذ، فلو كان المراد من الاختيار قصد العقد لزم ذكر الرضاء أيضا في جملة الشروط، فاستكمال العقد عندهم ببلوغ العاقد وعقله واختياره دليل على أن المراد منه الرضاء وطيب النفس، وأيضا لو كان المراد به قصد المدلول كما يوهمه ظاهر كلام بعض الأساطين لم يكن لاعتباره بعد اعتبار قصد العقد وجه.
فتبين لك ان الهازل حيث لا يكون في مقام الإفادة والاستفادة: واستعمال اللفظ لا يكون تامة الصيغة بخلاف المكره فإنه في مقام الإفادة، غاية الأمر انه لا يطيب نفسه بما أفاده، واليه يرجع ما ذكره الأساطين من الوثوق بعبارته، فتوهم ان المكره