كالهازل في عدم قصد المعنى في غير محله.
وقد تبين لك مما بيناه ان تأثير الاختيار والاكراه إنما هو بالنسبة إلى من إليه الامر لا المباشر، ضرورة ان تأثيرهما إنما هو في النفوذ وعدمه: وهما إنما يعتبران في من إليه الامر، ويكفى في المباشر صحة صيغته سواء كانت نافذة أم موقوفة كالعقد الفضولي، فتقسيم الاكراه إلى اقسام ثلاثة: اكراه من إليه الامر، واكراه المباشر، واكرههما معا، في غير محله، ضرورة عدم تأثير اكراه المباشر في عدم صحة الصيغة ولا في نفوذ العقد.
نعم قد يتأمل في نفوذ العقد والايقاع حينئذ من جهة ان استناد العقد إلى من إليه الامر حينئذ إنما هو من جهة صدوره عن وكيله، ومع اكراه المباشر على المباشرة لا يكون وكيلا، لتوقف عقد الوكالة على قبوله إياها اختيارا، ومع تحقق وكالته عمن إليه الامر لأجل اكراهه على القبول لا يقع عقده عن وكالة، فلا يستند إلى من إليه الامر حتى يصير نافذا.
وفيه ان الوكالة إنما تتحقق بايجاب الموكل - كما أشرنا إليه وسنحققه تفصيلا - انشاء الله تعالى - وقبول الوكيل إنما يؤثر تعهده الوكالة لا تحققها، مع أن الاستناد إلى من إليه الامر يتحقق باذنه وترخيصه ولا يتوقف على تحقق الوكالة.
وقد تبين لك بما بيناه ان القدرة على التورية، لا تنافى تحقق الاكراه في المقام، وانه لا تجب التورية على المكره مع قدرته عليها، لأن عدم طيب النفس والرضاء بالعقد كاف في عدم النفوذ، فلا حاجة إلى التوصل بالتورية وابطال الانشاء وتوهم ان المكروه إنما يكره على ايجاد اللفظ لا قصد الانشاء فهو مختار في قصده وعدمه، فقصده إياه لا يكون الا عن اختياره، فينفذ العقد حينئذ مع قصد الانشاء، في غير محله، لان مجرد الاختيار في استعمال اللفظ في مدلوله لا يكفي في النفوذ مع عدم طيب نفسه بوقوعه.
وكان المتوهم فسر الاختيار والاكراه في المقام بالقدرة على الفعل والترك