أجل كانت جماعة الحسين (عليه السلام) مفعمة رؤوسها بشعور التضحية، حتى إذا أذن لهم بذلك لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا يتهافتون كالفراش على المصباح لتضحية الأرواح، فكلما أذن حجة الله لأحدهم، وآدعه وداع من لا يعود، وهم يتطايرون من مخيمه إلى خصومه تطاير السهام لإنفاذ الغرض المقدس، بأراجيز بليغة وحجج بالغة من شأنها إزاحة الشبهات عن البعيد والقريب وعن الشاهد والغائب، لكن المستمعين ﴿صم بكم عمى فهم لا يعقلون﴾ (١) قد غشيت الأطماع أبصارهم وغشت المخاوف بصائرهم، فلا يفكرون بسوى دراهم ابن زياد وعصاه، ومن لا يهتم إلا بالسيف والرغيف، فلا نصح يفيده ولا دليل يحيده.
نعم، نصروا الحسين (عليه السلام) من الكوفيين صيد جحاجيح أمثال: حبيب بن مظاهر الأسدي، ومسلم بن عوسجة الأسدي، وبرير بن خضير الهمداني المشرفي، وقيس ابن مسهر الأسدي الصيداوي، وعمرو بن خالد الأسدي الصيداوي، وأبي ثمامة عمرو الهمداني الصائدي، وعابس بن أبي شبيب الهمداني الشاكري، وحنظلة بن أسعد الهمداني الشبامي، والحجاج بن مسروق المذحجي الجعفي، ويزيد بن مغفل المذحجي الجعفي، وعمرو بن قرظة الأنصاري الخزرجي، وزهير بن القين الأنماري البجلي، ومسلم بن كثير الأعرج الأزدي، والحر بن يزيد الرياحي، وغير هؤلاء ممن حاز السعادة والشهادة.
من كل أبيض وضاح الجبين له * نوران من جانبيه الفضل والنسب تجلو العفاة لهم تحت القنا غررا * تلاعب البيض فيها والقنا السلب فوارس اتخذوا سمر القنا سمرا * فكلما سجعت ورق القنا طربوا يستنجعون الردى شوقا لغايته * كأنما الضرب في أفواهها الضرب واستأثروا بالردى من دون سيدهم * قصدا وما كل إيثار به الأدب فقتلوا تقتيلا ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ (2) أحياء بأرواحهم، أحياء بتاريخهم المجيد، ولهم لسان صدق في الآخرين.